30 أكتوبر 2025

تسجيل

ثورة خاتم الأنبياء

16 يوليو 2013

تحدثنا إذا عن بعض الملامح القرآنية في ثورات الأنبياء، تلك الملامح التي نجدها جميعا وغيرها في ثورة النبي -صلى الله عليه وسلم على الباطل فهو خير ثوار الحق على الإطلاق. ويمكن إجمال ملامح ثورة الرسول -صلى الله عليه وسلم في النقاط الآتية: أولا: ثورة ربانية مؤيدة من الله الذي قال لنبيه (والله يعصمك من الناس)، ومن أجل هذه العصمة خفف الله عن نبيه عبء إيمان الناس، فقال له: (إن عليك إلا البلاغ)، وأخبره بأن الله يهدي من يشاء فقال: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)، وعاتب الله نبيه عن إهلاك نفسه وتألمه لعدم إيمان الناس فقال: (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين). ثانيا: أنها ثورة خالدة إلى قيام الساعة على كل ظلم وطغيان وفساد، وهذا ما عبر عنه جعفر بن أبي طالب –رضي الله عنه – أمام النجاشي، عندما قال: " أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار يأكل القوى منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام قال فعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله وان نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك" رواه أحمد في مسنده وعلق شعيب الأرنأوط فقال حديث حسن. فقول جعفر يبين مقدار الطغيان الذي خرجوا بسببه فارين بدينهم من بطش قريش، وكم هذا الطغيان وراءه منتفعون وسماسرة يتاجرون بأعراض الناس وينهبون ويأخذون أموالهم، فجاءت النبوة ثورة للقضاء على هذا الطغيان، لتحرر أولا الإرادة الإنسانية لتختار وتتحمل عواقب اختيارها، فلما اختار القوم أن يعيشوا في النور ويتركوا الظلام والقذر الذي ملأ حياتهم قهروا وظلموا حتى أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله. ثالثا: إن ثورة النبوة تجمع بين التنظير والتطبيق، فالتظير في مثل قوله –صلى الله عليه وسلم- (أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ) رواه أبو داوود والتطبيق في جهره -صلى الله عليه وسلم بكلمة الحق في وجه طغاة عصره بداية من قريش ومرورا بزعماء العرب وانتهاء بملوك الفرس والروم، وذلك تنفيذا لقوله تعالى: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين). رابعا: أنها ثورة عالمية، لأن الله قال لنبيه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وقد اختلف العلماء في هذه العالمية من خلال تأويلهم لهذه الآية، يقول الطبري في تفسيره: " اختلف أهل التأويل في معنى هذه الآية، أجميع العالم الذي أرسل إليهم محمد أريد بها مؤمنهم وكافرهم؟ أم أريد بها أهل الإيمان خاصة دون أهل الكفر؟ فقال بعضهم: عني بها جميع العالم المؤمن والكافر وعن القرطبي قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان محمد -صلى الله عليه وسلم- رحمة لجميع الناس فمن آمن به وصدق به سعد، ومن لم يؤمن به سلم مما لحق الامم من الخسف والغرق. وما أراه أن النبي -صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة للعالمين المؤمن والكافر والإنس والجن، والإنسان والحيوان، لأن رحمة النبي من رحمة الله تعالى، التي وسعت كل شيء، ولكن هذه الرحمة يستقبلها المؤمنون استقبالا حسنا وأما الذين لا يؤمنون بالله ورسوله فأعرضوا عن هذه الرحمة الواسعة، فضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، وباتت الغلظة سيماهم، والقسوة علامتهم التي يعرفون بها ليذلوا بها البلاد والعباد، ليثور أهل الرحمة على أهل القسوة. والحديث موصول إن شاء الله.