13 سبتمبر 2025

تسجيل

متى نتآمر على غيرنا؟!

16 يونيو 2022

في كل مرة تقع أحداث بالعالم الإسلامي، وأبرزها حالياً المشهد الهندي وتطرف الحكومة الهندوسية الحالية تجاه المسلمين، مع استمرار معاناة الأيغور في الصين والروهينجيا في بورما، وبالطبع قضية المسلمين الأولى، قضية الأقصى وفتنة الصهاينة، وغيرها من مشكلات ومعاناة المسلمين حول العالم. أقول: في كل مرة تقع أحداث على ساحتنا الإسلامية أو خارجها تتعلق بنا، تكثر النقاشات في الفضائيات ووسائل الإعلام المتنوعة، وينقسم الناس بسببها بين طارح لفكرة المؤامرة، وقسم ثان يرفضها تماماً، فيما تجد ثالثاً لا يؤيدها، لكنه في الوقت ذاته لا يتجاهلها أيضاً. وفي خضم تلك النقاشات وكثرتها، قد ينسى الناس لب الموضوع أو المشكلة الرئيسية، والتي أجدها كامنة في عدم فهم الواقع الحالي للأمة، وما يحيط بها من ظروف محلية وأخرى عالمية. وإن الفهم الصحيح لذلك في نظري، هو مفتاح علاج واقع المسلمين اليوم. وهذه خلاصة موضوع اليوم، ومن أحب مزيد تفاصيل، فسيجدها في الفقرات التالية. بداية لابد من إدراك حقيقة لا يختلف عليها اثنان، هي أن الحضارة الغربية من تقود العالم اليوم منذ عدة قرون، وما المنظمات والهيئات الدولية التي أنشأها الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، وجعل مقارها في منطقته أيضاً، إلا لتكون أدوات تساعده على قيادته للحضارة البشرية بصورة فاعلة لحين من الدهر غير قصير، خاصة إذا استمر الغرب في دعم وتعزيز نقاط قوة حضارته، واستمر التابعون له في تبعيتهم، والقبول بواقعهم وضعفهم دون سعي مخلص صحيح لتغييره. وقد جرت السنن الكونية على أن من يقود الآخرين، تكون عادة توفرت له أسباب القيادة إلى أن يفقدها جميعاً، سبباً سبباً حتى تؤول القيادة إلى حضارة أخرى. وهكذا هي حركة التاريخ أو سنة الكون والحياة "وتلك الأيام نداولها بين الناس". •الغرب ومنطق القوة إذن الغرب يتحرك بمنطق القوي في العالم. منطقٌ خلاصته تقول بأن التحرك يكون وفقاً لمصالحي، وإن لم تتوافق مع مصالح غيري، على رغم أن العالم اليوم، من المفترض أن يعمل معاً ضمن منظومة الأمم المتحدة. لكن الواقع العملي يختلف تماماً عن النظري. فالغرب يتحرك بناء على مصلحته وليس مصلحة الآخرين. قوته اليوم تسمح له باتخاذ القرار، بل وتنفيذه باقتدار أيضاً، وهي حقائق واضحة لا غبار عليها، ولا أدري لم لا نستوعبها في العالم الإسلامي؟ لا يجب أن نستغرب تحرك أساطيل وجيوش الناتو إن تضرر فرد في أمة الغرب، أو لحفظ مصالحهم أيضاً - بحسب رؤيتهم وفهمهم لمعنى المصلحة - بغض النظر إن توافقت رؤاهم مع غيرهم من الأمم، أو خالفتها. لا يجب أن نستغرب نحن المسلمين من ذلك، لأن مثل تلك التحركات كانت معروفة في تاريخنا الإسلامي أيضاً، حين كانت الأمة تمتلك أسباب القوة التي تجعلها تحرك الجيوش إن تضرر فرد واحد من قبل أعداء الأمة، أو تعرضت مصالحها للخطر، وفق رؤية من كانوا يقودون الأمة حينذاك، مع الفارق الكبير بين رؤاهم القائمة على المادية ومصالحهم الضيقة، ورؤانا القائمة على الربانية وهداية البشرية، أو هكذا هو الأصل بالنسبة لرؤانا. •تصحيح نظرية المؤامرة لكن ماذا عن نظريات المؤامرة التي يؤمن كثيرون بها، ويرفضا كثيرون بالمثل؟ هل فعلاً الغرب يتآمر أو ما زال يخوض في هذا الأمر لم يتوقف؟ الواقع يفيد أن القضية متشعبة وتبقى خلافية، ولكل فريق وجهة نظر في المسألة. لكن موضوع مؤامرات الغرب أو الشرق على الأمة أو على آخرين، فمن المهم إدراكه أنه أمر مرتبط بالبشر منذ قديم الدهر، ومستمر إلى ما شاء الله أن تستمر الحياة. المؤامرات لا يجب أن نستبعدها تماماً، لأنها جزء من الصراع بين البشر، حيث تختلف أساليب المؤامرة بحسب الزمان والمكان وثقافة البشر. والمؤامرة وقبل أن نتعمق أكثر في تفاصيلها – إن سمحت لي أيها القارئ القيام بتعريفها من وجهة نظري – هي تخطيط خفي من أجل تحقيق مصلحة، على حساب مصالح آخرين، بطريقة وأخرى، وسواء اتفقنا على أهدافها وأساليب تنفيذها أم لم نتفق من الناحية الدينية أو الأخلاقية أو القيمية أو غير ذلك. نحن كأمة مسلمة وقبل فترة الاحتلال، كنا أمة مستهدفة من قوى مختلفة في هذا العالم، نظراً لمسائل السيادة الحضارية، خاصة بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية والفارسية التي تواجهت مع أمة مسلمة فتية، كانت تتعاظم قوتها وتأثيراتها يوماً بعد آخر. الأمة الإسلامية ولأنها كانت من صنّاع الحضارة في زمن تاريخي امتد لأكثر من ألف عام، وتمت فيه إزاحة حضارات كانت قائمة، رأيت تكاثر الأعداء والمتربصين بها، على اعتبار أن تلك الإزاحة بطبيعة الحال، لا يمكن أن ينساها صنّاعها بسهولة، إذ بقيت المشاعر بالنفوس تغذيها روح الانتقام، وتتوارثها الأجيال لحين وقت معلوم، أو فرصة سانحة لاستعادة ما تمت إزاحته. اليوم نرى الغلبة والرفعة للغرب منذ أكثر من قرن من الزمان. بدأه باحتلال مناطق شاسعة، استغل ما يمكن استغلاله وبشراهة منقطعة النظير. وحين بدأت الحركات الثورية الطبيعية المضادة في أكثر من بقعة مستعمرة، وجد الغرب الاستعماري نفسه يخسر تدريجياً في مقاومة تلكم الحراكات، فبدأ يخطط للخروج ولكن قبل ذلك فكر وقدّر، وهذا التفكير والتقدير يمكن أن نسميه بحسب حديثنا اليوم بالمؤامرة، حيث صنع الغرب المستعمر أناساً على عينه، يقومون على مصالحه بعد خروجه، فكانت المشاهد الظاهرية لاستقلال الدول، وكانت التقسيمات السياسية المعروفة. الغرب مصالحه مع الأمة المسلمة في كثير من مناطقها ما زالت كبيرة وكثيرة، وأن يتجاهلنا هذا الغرب كلية، فإنه ليس بالأمر الممكن. ولأن الواقع يتغير كل حين، فلابد من استراتيجيات أخرى، ولابد من عقول تفكر وتخطط وتدبر لجعل حبل الغرب متصلاً بالمنطقة لا ينقطع، وليرسم صورة ذهنية مفادها أن وجوده بالمنطقة أمر ضروري حيوي عند سكانها. وهذا التدبير أو التخطيط والتفكير هو ما يمكن تسميته أيضاً بالمؤامرة. بمعنى آخر، كيف أخطط لأن أبقى عندك وأستفيد منك بصورة وأخرى. هكذا لسان حال الغرب مع أمة الإسلام. هذه هي المؤامرة باختصار شديد. لكن الأهم من هذا هو التساؤل التالي: •إلى متى دور الضحية؟ الغرب ليس يتآمر علينا فحسب، بل على آخرين كالصين وروسيا والهند وغيرهم. ويحدث العكس أيضاً. فلا تعتقد أن القوى الأخرى في هذا العالم هادئة ساكنة. الكل يخطط ويدبر ويقدّر، أو إن صح التعبير، يتآمر مع غيره على غيرهم، في سبيل مصالح قصيرة أو طويلة الأمد. يحدث هذا في الغرب والشرق، بل في كل الأمم، بما فيها أمتنا وللأسف. الكل يريد مصلحته، بغض النظر عن آلية وطرائق تحقيق تلك المصلحة، دون أن نخوض في معاني المؤامرة الأخلاقية والقيمية. نتحدث الآن من الجانب النظري البحت فقط. وهذا يدفعنا للتساؤل: ما المشكلة أن يتآمر أحد على أحد، أو إن صح التعبير، يخطط ويدبر للحفاظ على مصالحه؟ وهذا يدفعنا أيضاً لأن نقول: ما المشكلة، وبهذا الفهم، أن يتآمر المسلمون أيضاً على الغرب والشرق وكل من يكن لهم العداوة والبغضاء ؟ وأعني ها هنا التخطيط والتدبير لمصالحنا، ولكن وفق قيمنا وأخلاقنا وديننا بالطبع. فأين الخطأ في هذا؟ القصد من هذا الحديث أننا لا نريد أن نكون دوماً ضحية ألعاب ومؤامرات الآخرين، أو نؤدي ذلكم الدور في لعبة الصراعات. لابد أن نلعب اللعبة ذاتها مع المتآمرين، أو إذا أردنا تخفيف المصطلح بعض الشيء، لابد أن نفكر ونخطط وندبر لتحقيق مصالحنا كما هم يفعلون، عبر مراكز أبحاث ودراسات، ومؤسسات تعني بالتخطيط الاستراتيجي، العسكري والاقتصادي والفكري والثقافي وغيرها، شأننا شأن من يستغلنا ويعادينا. أليس هذا الدور هو الأفضل أو الأوجب علينا كأمة، بدلاً من الاستمرار في أداء دور الضحية في كل لعبة أو مؤامرة، ومن ثم استجداء عطف الآخرين الذين قد يكونون على شكل دول أو مؤسسات وهيئات دولية، والذين في حقيقة الأمر والواقع، لا أثر لهم ولا وجود فاعلاً في مثل هذه الصراعات. هذا إن لم يكونوا هم من أسباب استمرار أزماتنا وشقائنا؟ فمتى نعي هذه الحقائق ونسيطر على زمام أمورنا، وندخل صراع الأمم والحضارات كصانعين مؤثرين، لا مصنوعين ومتأثرين؟.