14 سبتمبر 2025

تسجيل

قحط ثقافي – عقلية الجمود!

16 يونيو 2021

أن يمر العالم في قحط ثقافي، فهذا أمر ليس بأمر عادي، فتبعاته كثيرة. ولكن لنعتبره في البداية أمراً وارداً في ظل الأزمات التي لم تكن في الحسبان. ولا تقف الأزمات عند السياسة، بل لاحظنا وبمرارة كيف للأمراض الانتقالية أن تكون بطلة الحدث، تقابلها أنانية من قبل أفراد المجتمع دون تعميم، من حيث الاستهانة بواقع لم يعتبره محتملاً اليوم، مكتفياً بقراءته عبر التاريخ وبقائه في التاريخ. ولكن يكمن السؤال الأهم حينما نكون في المحنة، فأين تكمن حاجتنا، وهل ضاقت الحاجة على الثقافة والفن؟ بينما نعيش التفاصيل ونواكب التفضيل التجاري- الاستهلاكي على الثقافي والذي يلامس الانسان وحاجته إلى التعمق في وجدانيته عندما يضيق عليه عالمه الواقعي. إذ هل يمكننا أن ندرس المقاييس الاستراتيجية التي تحد من القحط الثقافي؟ وقبل أن أجيب على هذا السؤال، يتعين علي أولاً شرح وبشكل مبسط هذا المصطلح من وجهة نظري، فلا يوجد له تعريف معتمد. فهي بمثابة اشكالية يقع من خلالها المثقف النشيط والراغب في استمرارية الحركة الثقافية رغم الأزمات بشكل عام، بل قد تحد المثقف نوعاً ما نحو الالتفاف حول المحتوى القيمي، وزيادة استهلاك نفس المحتوى دون الفرار أو القدرة على الولوج لمحتويات أخرى أكثر تنوعاً وأقل سطحية. ولا يحدد المفهوم في هذه الحالة الفترة الزمنية أو حادثة معينة لمثل تلك الإشكالية، انما يعتبر الموضوع كأزمة بدت سائدة على سائر المثقفين، حتى وتبين بأن المثقف يقع في نفس الموال، أو يسترجع الموال السابق استذكاراً لماض مجيد ويكتفي بما هو مستهلك ليبقى متصدر الصورة. وبهذه الصورة يتم تداول المحتوى المتشابه واعتماده بأنه أساس من سيرة النخبة وأساس للثقافة. ولنتخيل ما يترتب عليه هذا الخلل وهذا الاختناق الثقافي الذي لا ينجو من خلاله التنفيس أو الابداع بمعانيه الواسعة والتي تبتعد حسب الأجيال من أساس سابق نحو مناظير معاصرة وإمكانيات تمنح للثقافة اليوم وإمكانيات شبابها ممن هم مواكبي العصر. ولنتخيل ما سيطغى على الثقافة في هذه الحال. الاستهلاكية والسطحية. أحاول من خلال هذا المقال أن أسترسل في الحديث عن المسألة الثقافية في ظل الأوضاع المتغيرة. ظننت أن استخدم المصطلح وأتفهم النقلات التي نمر من خلالها عبر الطرق التي تساهم في تجاوز الصعاب نحو الخطط والحلول البديلة للاستمرارية في انتاج المضمون الراسخ والحسي أيضاً. فلا تنجح استراتيجية تواكب نفس الآلية ونفس النمط إن لم تكن قادرة على التوقف لتغيير المنظور لضمان الاستمرارية حرصا على التكاملية مع الظواهر الأخرى المعاصرة، تفادياً لطغيان ظاهرة على أخرى. فلنضع حديثنا على عاتق التنمية البشرية. فكم عولنا على مخرجات التنمية البشرية وقدرات الانسان في المحتوى الابداعي لضمان الاستمرارية الثقافية بمحتوى واعد وتنفيس مبدع لمختلف المشاريع الشبابية على المستوى الثقافي. أين تكمن الوسائل الأخرى، أين يكمن دور الفرد في بناء قدراته المعرفية، تمكينه الوظيفي ومدى تفرغه حتى نحو تحديات جديدة، رفع كفاءته وزيادة المساحة لإبراز آفاقه الفكرية. كم نسبة تكرار المشاريع الشبابية الخاصة تحت ظل ودعم المؤسسات وما مدى استمراريتها. كيف تساهم مشاريع التنمية البشرية على دعم المخرجات الشبابية وابرازها في السوق الثقافي على انها جزء محرك لحاجة الانسان في التعبير أو التنفيس. لماذا غابت الثقافة وزاد الاستهلاك الآخر الذي يشبع الانسان فوق حاجته! لماذا فضلنا المطاعم على سبيل المثال على الرغم من زيادتها المستمرة على استمرارية المشاريع الثقافية. ومن هنا، نصل بأن القحط الثقافي حاصل بسبب استمرارية توارد نفس المعرفة، دون فرصة الارتقاء إلى معرفة أخرى. ولا أضع اللوم على عاتق واحد، إنما أجد أن الأولوية لم تكن عادلة للصالح الثقافي بشكله الوجداني والمكمل لحاجة الانسان للابتعاد من ضغوطات الحياة المختلفة، على قدر ما لوحظ الاهتمام لصالح الشبع الغذائي الفائض حتى لو زاد السعر في الفاتورة! فاختفت المسارح وغابت المعارض، وبقت المنصات الثقافية مقيدة في التنفيذ! خلاصة: على الاستراتيجية الثقافية أن تواكب الشبع الغذائي وتسبقه بأميال لا أن تكون خلفه وتنتظر فرصتها المحدودة للظهور! فلا نحتاج إلى عقلية الجمود في الثقافة كما تجمد مفهومها على عصور ولت بشبابها وأدواتها، إنما علينا أن نغير من المجرى الثقافي ليبقى دائماً هامة لحراك متجدد وعاكسا لثقافة مجتمع بقدرات وطاقات واعدة من جهة، ومطلوبة للاستمرارية والدعم من جهة أخرى. [email protected]