19 سبتمبر 2025
تسجيلكل عيد يحط رحاله في بلاد العرب لا يجد من حال العرب إلا سؤالهم المرير (عيد بأي حال عدت؟) سؤال تتردد أصداؤه في صحراء الانكسار والتراجع. صحراء لم تبد فيها جُدر الأمل إلا كبقايا أطلال دواسر لا تستثير شيئا غير البكاء بِسِقطِ اللّوَى بين الدَّخولِ فَحومَلِ، فهل غَادَرَ العربان من مترَدَّم أَمْ هل عَرَفوا الدَّارَ بعد توهُّم؟ يكفي المرء التأمل بحسرة في تفاعلات الأحداث العربية دون أن يذهب أبعد من الأسبوعين الماضيين، وسرعان ما يصل إلى حقيقة مأساة الوضع العربي، الذي لم يعد مأزوما بعجز جامعتهم الميتة سريريا على أي فعل إيجابي فحسب، بل بغياب تام عن المسرح إقليميا قبل أن يكون دوليا. فالجامعة العربية أصبحت هيكلا بلا معنى أو مضمون ولا تُحِسّ منها فعلا أَو تكاد تسمع لها ركزًا، وقد جاءت نتائج آخر قمة في مدينة الظهران السعودية أبريل الماضي لتكرّس حالة العجز العربي منذ نشأتها قبل نحو سبعين عاما. وومما أكد العجز العربي، عقد القمة في الظهران عوضا عن العاصمة الرياض خوفا من صواريخ الحوثيين في اليمن. في ظل أسوأ كارثة إنسانية في العالم حسب وصف الأمم المتحدة شنت القوات السعودية والإماراتية غارات جوية عنيفة على محافظة وميناء الحديدة اليمنية. ولم يعد خافيا على القاصي والداني أن الحرب على اليمن التي يشنها التحالف بقيادة السعودية يشتعل أوارها لشيئ في نفس يعقوب وليس كما هو معلن لاستعادة الشرعية اليمنية، فالامارات على سبيل المثال لا تخفي معارضتها بل حربها على حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. وقد باتت الموانئ اليمنية محل أطماع ومناطق نزاع عسكري ملتهب، ويتم منع السفن التجارية من الدخول إليها. ومع تكثيف الغارات الجوية واقتراب الخطوط الأمامية من ميناء الحديدة، يقترب كذلك التهديد الحقيقي بالأذى للمدنيين حيث تستورد عبره 80% من ورادات اليمن الغذائية. ويقول المجلس النرويجي للاجئين أنه لا يمكن للشعب اليمني تحمل المزيد من الاضطرابات في إمدادات الغذاء والوقود والأدوية التي يحتاجون إليها للبقاء على قيد الحياة. وتقول الأرقام أن تعداد سكان الحديدة نحو 3.32 ملايين منهم 2.7 مليون بحاجة إلى المساعدة الإنسانية. كما أن 15% من مجمل السكان يشتبه في إصابتهم بالكوليرا. على صعيد آخر، وتكريسا لحالة التشرزم العربي أعرب وزير الرياضة المغربي عن أسف بلاده لما أسماه بالخيانة التي تعرضت لها بلاده من طرف بعض الدول العربية في ملف الترشح لاستضافة مونديال 2026. فرغم قرار الجامعة العربية بالوقوف إلى جانب المغرب في التصويت، وهذا أضعف الايمان، إلا أنه قد صوتت كل من السعودية والإمارات والكويت والبحرين ولبنان والأردن والعراق ضد المغرب لصالح الملف الثلاثي التابع للمنافس الآخر. ولعل الملاحظة الجديرة بالوقوف عندها أن الجزائر رغم خلافاتها الغميقة مع المغرب بشأن قضية الصحراء الغربية ودعمها الصريح لجبهة البوليساريو، إلا أنها صوتت لصالح المغرب، باعتبار ذلك موقف مبدئي يتجاوز الخلافات الآنية والظرفية. وقد نوّه وزير الرياضة المغربي بموقف قطر الذي عبّر عنه أمير قطر أثناء الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع ملك المغرب، بل السعودية أعلنت أنها قادت جهودا لإقناع دول العالم بالتصويت لصالح الملف المشترك بدلا من الملف المغربي. بالفعل لم تكن القمة العربية الأخيرة رقم 29 رغم الضجيج الاحتفالي سوى حدثا عابرا، وفاصلا قصيرا قبل أن يواصل القادة العرب قيادة الفوضى والتداعي العربي المستمر. وبينما تضمن جدول أعمال القمة 18 بندا، إلا أنه لم يكن من بينها الأزمة الخليجية أو الضربات الغربية الأخيرة على سوريا. وهكذا تثاقل الزعماء العرب إلى الأرض ورضوا بالتبعية والانقياد وغدا الذهاب إلى القمم العربية لا يزيد عن كونه مجاملة للدولة المستضيفة. بل تمتد المجاملة حتى إلى مخالفة ميثاق الجامعة الذي يدعو لإعطاء الملفات الخلافية أولوية لحلها. فقد تعمَّدت السعودية الدولة المضيفة استبعاد واحد من أهم الملفات، وهو الأزمة الخليجية وما ترتب عليها من حصار قطر، وذلك في خرق واضح للميثاق الذي يدعو إلى أولوية حل خلافات الأعضاء قبل استفحالها وفض المنازعات بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية مثل الوساطة والتحكيم.