23 نوفمبر 2025
تسجيلفي هذه الأيام المباركات، وهي أيام شهر رمضان الكريم، الناس أحوج للصدقات، والمتصدقون أحوج لنيل الأجر من الله، وصدقة السر تُطفِيء غضب الرب، فالصدقة الخفية أقرب إلى الإخلاص من المعلنة، ففي إخفائها ستر الفقير، وعدم تخجيله بين الناس وإقامته مقام الفضيحة، وأن يرى الناس أن يده هي اليد السفلى، وأنه لا شيء له، فيزهدون في معاملته ومعاوضته، وهذا قدرٌ زائدٌ من الإحسان، والصدقة تمحو الخطيئة وتقينا من النار، وهي مطهرة للأموال ودواء للأمراض لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (داووا مرضاكم بالصدقات)، فما نقص مالٌ من صدقة، فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح قلبه وزاد فرحه وعظم سروره. حتى الاكتئاب والأمراض النفسية والحزن والضيق يمكن أن نعالجهم بالصدقات، والصدقةُ في حال الصحة والقوة أفضل من الوصية بعد الموت أو حال المرض والاحتضار، وهناك الصدقة اليومية بوضع بعض الريالات على سبيل المثال في درج السيارة أو المحفظة لنعطي عمال النظافة وبعض الفقراء والبسطاء وبائعي الصحف اليومية على الشارع، ولا حرج من التبرع للجمعيات والمنظمات الخيرية، ولكن ينبغي أن نخصص بعض أموالنا للمحتاجين الذين نعرفهم بأن نذهب بأنفسنا للأسر الفقيرة ومعنا بعض الأغذية من دجاج وسكر ودقيق وغيره، ويا حبذا لو اصطحبنا معنا أبناءنا الصغار لكي يتعلموا كيف يقدروا النعمة وليعرفوا ثقافة العطاء وفضل الصدقات، وحتى بقايا الطعام والخبز اليابس يجب أن نضعه جانباً حتى لا تدوسه الأقدام، فلنتعلم تقدير النعمة، فما من أحد يقبل أن يجلس في مجلسٍ لا يُقَدَرُ فيه، وإذا أحس بعدم التقدير غادر المكان، فهل نعتقد أن النعمة حينما تكون في يد أناس لا يقدرونها ستبقى؟ لن تبقى بل عاجلاً أم آجلاً ستذهب، لذلك تقدير النعم سلوك يمارس وليس بنظريات تُكتَب، وحتى يصبح هذا السلوك سلوكاً مُعتَقَدَاً به وممارساً من قبل أبنائنا والمحيطين بنا، علينا نحن الآباء والأمهات أن نمارسه أمامهم، لذلك علينا أن ندرب أبناءنا على تقدير نعمة الطعام خصوصاً عندما يزيد عن حاجتنا، فنحن نطلب أكثر من ما نحتاج ونأكل منه قليلاً ويرمي البعض باقي الطعام، وهذا شائع في بعض المجتمعات، فلنطلب من الطعام في حدود رغبتنا، وإذا زاد عن حاجتنا علينا بتوجيه الزيادة إلى مكانها الصحيح، وبالتالي نكون قد عملنا على حفظ النعمة، وهذا لا يتم إلا إذا كنا نحن معشر الآباء والأمهات القدوة الحسنة للأبناء، فالمال صحيح هو مالنا نحن، ولكن الموارد ليست لنا إنما هي ملكاً للجميع، فهناك مجتمعات محتاجة لهذه الموارد الزائدة عن حاجتنا، ولنعلم أن الإنفاق أفضل ما يكون في رمضان، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان).ما أجمل الصدقات في رمضان، وإذا شعرنا بالكسل والفتور في أن نتصدق، فهذا أمرٌ طبيعي في حياة المسلم، ولكن لنحذر الفتور في وقت الغنائم وفي أزمنة السباق، مضى من عمرك ما مضى، فإن أحسنت فزد، وإن أبتعدتَ فعد، وإن فترت عزيمتك فتذكر قوله تعالى (أياماً معدودات)، وإذا دعوت الله أن يبلغك رمضان، فلا تنسَ أن تدعوه أن يبارك لك فيه، فليس الشأن في بلوغه، وإنما الشأن ماذا ستعمل فيه، اللهم بلغنا رمضان وبارك لنا في أيامه ولياليه، بلوغاً يغير حالنا إلى أحسنه ويهذب أنفسنا ويطهر قلوبنا، بلوغ رحمة ومغفرة وعتق من النار.