26 أكتوبر 2025
تسجيلكثيرون نحن مع الناس ؛ قليلون مع أبنائنا وذوينا تواصلا وتعليما وتفاهما ومجاملة ورعاية ، رغم أن أبناءنا لنا دون الناس وهم مشاريعنا ، ولا قيمة للنجاح مع كل الناس إن فشلنا مع أبنائنا ، فإن وسّعنا لهم في وقتنا ، وفسحنا لهم في علاقتنا تعليما وتربية ومناقشة فلسوف نرى منهم إبداعا وتفوقا لم نتوقعه ، وفي المقابل إن ضننا وانشغلنا أو تعالينا جاء يوم فلا محالة فلا نجدهم حيث نريد ولا نجد منهم ما نريد . في جيلنا كان آباؤنا يقيسون تفوق أحدنا بمقارنته مع نجاح أخيه أو ابن عمه أو من خلال درجته في الاختبار أو ترتيبه في الفصل ولكن القياس اليوم صار بنظر إمكاناته النفسية والذهنية وبمقارنته مع أبناء الأمم والملل والنحل والقارات الأخرى ! وفي جيلنا كان المحك الاختباري لذكائهم وتأهلهم هو الاختبار المدرسي لمنتصف العام وآخره ، ومعيار القبول في الجامعات هو معدل الثانوية العامة لا سواه ، وللقبول في مجال العمل بعد التخرج هو الإجابة عن الأسئلة التخصصية ؛ لكنه صار اليوم اختبار السلوك والثقافة العامة واللياقة النفسية وتوازن الشخصية ومحكات الظروف الاستثنائية وتراكم مادة التخصص . فلا تتضجر – أخي الأب والمربي - من مناقشات ابنك ولا تؤنبه أو تقمعه إن خالفك الرأي لأنك إنما تريد الوصول لحقيقته لتعالج أو تعزز ما يلزم من أفكاره وأهوائه . قد يطرح ابنك سؤالا جوابه في كلمات على طرف لسانك ، فإن أهملته أو أجلته تطور لشبهة قد تغير كل منظومته الفكرية ، فتحتاج مناقشات كثيرة وأياما عديدة عساك تعيد تلك الصورة لسابق انضباطها ؛ إن وجدت فسحة في الوقت وقدرة على الإقناع ! أولادنا اليوم يفكرون في مساحات أوسع مما كان في زماننا ، وعناوينهم غير محدودة ، وآفاقهم غير محلية ، ولم يعد الأبوان والكتاب والمعلم والأسرة المحافظة إلا بعضا قليلا وربما غير مقنع من مصادرهم بعد النت المفتوح والإعلام المفتوح والسوشل ميديا المفتوحة والأفكار المفتوحة التي باتت تتجاوز الحدود وتخترق السدود وتلج غرف نومهم بلا استئذان ! تدخل غرفة ابنك لتجده يلعب مع صديق في دولة أخرى وربما في قارة أخرى أو تجد بروفيسورا قد يكون صهيونيا يحادثه ويسوق اتجاهاته عبر ألعاب " الإنترتيمنت " أو عبر مادة فيلمية مليئة بالشبهات والغزو المغلفة بالتسلية أو البحث أو المنطق . أبناؤنا صاروا يطرحون أسئلة وقضايا ويتكلمون بمصطلحات ويهتمون اهتمامات ربما كثيرون منا لم يفكروا فيها أو تمس ألسنتهم أو يهتمون بها إلا بعد سن الأربعين وربما لم يفكروا فيها قبل أن يُسألوا عنها ! من الأسئلة التي صارت تطرح على وسائل التواصل ومواقع الحوار وتحتاج تأملا عميقا وإجابات شافية ، وليست مجرد أسئلة ولكنها شبهات تعلق في الوجدان لتتحول شكوكا وفسادا ؛ من مثل ( إذا كنت أنا مجرد ولدت لأبوين مسلمين فأين العدل الإلهي في أن أدخل الجنة فيما يدخل غيري النار لمجرد أنه ولد لأبوين نصرانيين أو يهوديين ؟ وهل كل اليهود والنصارى كفار حتى من سمع منهم عن الإسلام من شائهين منفرين لم يقنعوه به ؟ ولماذا نذبح الحيوان فنحرمه الحياة لمجرد أننا نشتهي لحمه أو لنسعد بلحمه المعازيم ؟ ولماذا من حق السلطة – من سلطة الأب حتى سلطة الدولة – أن تُكره رعاياها على ما تعتبره واجبات لها أو للدين ولا تترك لهم أن يقتنعوا بها قناعة لا إكراها ؟ ولماذا جاز لنا أن نفتح بلدان الأمم الأخرى أيام الفتوحات الإسلامية ثم نلومهم اليوم عندما يستعمرون بلادنا ويحتلونها ؛ وأين روح العدالة وأين دعوى التواضع إذن ؟ .. إلخ ) آخر القول : لم يعد يكفي أن نناقش أبناءنا في المسلّمات ؛ ولئن لم نتدارك أبناءنا قبل أن تطويهم ثقافة خاطئة ومخلطة فقد نفقدهم إلى الأبد فهل من مدكر ! نعم قد يكون المطلوب منا تجاه أبنائنا كثيرا ، وقد تكون نتائجه غير مضمونة .. ولكن ذلك لا يعني ترك الأسباب وأن يكون على قمتها تقوى الله تعالى وإطعامهم لقمة الحلال .. والله تعالى يقول ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ) .