15 سبتمبر 2025
تسجيلطرفة سياسية يتداولها معظم الشعب اللبناني عندما كان الجيش السوري يفرض حضوره في لبنان تحت ذريعة الحماية ووقف الحرب الأهلية التي عانى منها لبنان طويلاً. كان ذلك في العام 1976م وبمباركة جامعة الدول العربية. وهو حضور يستعيض به السوريون عن غصة استقطاع لبنان من خارطتهم بعد تقسيم معاهدة سايس بيكو عام 1916م. ومضمون الطرفة أن مواطناً لبنانياً استوقفته إحدى نقاط التحكم السورية المنتشرة في كل لبنان إبان التواجد العسكري السوري فما كان من الجنود سوى سرقة ساعة اليد السويسرية الفاخرة التي كان يرتديها المواطن الذي ذهب للشكوى عند جهات عليا ليسجل في المحضر" أن سويسرياً سرق ساعته السورية " فبهذا الحجم من الترويع والاستغلال كان النفوذ السوري طاغياً في لبنان. ويمثل مركز استخبارات الجيش السوري في بلدة عنجر اللبنانية معنى الرعب والقمع والمطاردات حتى قيل إن رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري كان يستدعى إلى ذلك المركز لتملى عليه التعليمات وفقاً للمزاج السوري آنذاك. سوى أن مقتل الحريري كان بطاقة الخروج الحمراء لهذا الوجود النشاز والمرفوض دولياً ومحلياً من الغالبية اللبنانية. ولكن ظل لبنان محلاً للمقايضات الدولية في المنطقة وظلت سوريا تتمسك بوجودها هناك في كل المفاوضات وكل الأدوار الإقليمية بما فيها حرب تحرير الكويت والذهاب إلى مفاوضات مدريد رغم الكثير من الدماء وتحجيم الحضور اللبناني المميز في المنطقة اقتصادياً وثقافياً. ولكن خيوط اللعبة ومطاردة الحضور السوري توسعت إقليميا بنشوء المصالح الإيرانية وتحالفها مع السوريين لتحقيق موطئ القدم الإيراني الذي لم يكن له حضور أو حتى ملامح قبل الاجتماع التاريخي تحت شجرة ملعب كرة القدم في ثانوية مدينة صور بين السفير الأمريكي إدوارد دجرجيان والإمام موسى الصدر عام 1966م حينما رغب السفير" حسب مذكراته " في التعرف على طبيعة مجتمع الطائفة الشيعية في لبنان بعد أن كان المشهد السياسي هناك واتصالات السفارة محصورة على رموز النخب والطوائف الأبرز في لبنان آنذاك وهم المسلمون السنة والمسيحيون والدروز. فكان ذلك اللقاء الذي سعى إليه السفير دجرجيان بداية البروز للطائفة الشيعية في المشهد السياسي اللبناني وهو ما عززته العلاقة الوثيقة بين إيران وسوريا ذات النفوذ والسلطة الأقوى في لبنان إبان تواجدها العسكري هناك والذي تؤول محاولات النيل منه أو مجرد انتقاده إلى التصفية كما حدث فعلاً في مواجهات السوريين ضد ميشيل عون أولا ثم الرئيس الحريري الذي لم تعلن المحكمة الخاصة بالتحقيق في اغتياله صراحة أسماء المتورطين في ذلك الاغتيال الوحشي. سوى أن الأصابع كلها تشير إلى تورط السوريين وذراعهم العسكري الأبرز الذي تمثل في حزب الله بتركيبته السرية المعقدة وتباين أدواره وتناقضها مع الدور المعلن والمستتر تحت ذريعة المقاومة وصناعة النجومية بالأحداث المفبركة حتى بالشراكة مع إسرائيل. بينما هو يلعب دور الدولة اللبنانية ويصنع لكيانه حضوراً بلباس الطائفية وتحقيق أجندات إيران وسوريا معاً ويعطل دور الدولة بحسابات ملتوية وتحالفات مدفوعة الثمن. لذلك ليس بدعاً أن يحمل الحزب السلاح في الصفوف الأولى دفاعاً عن سوريا في مواجهة ربيعها الصعب للعودة بها إلى القومية العربية وتاريخها كأول دولة للخلافة الإسلامية. وفي حسابات المحللين يبرز الدور الأمريكي الذي أعطى للطائفة الأقل حضوراً في المشهد السياسي اللبناني دوراً أكبر من حجمها في خارطة السياسة اللبنانية ودستورها. أيضا نظرية الشرق الأوسط الجديد بما فيها من قلب لموازين القوى والأدوار في المنطقة بعد أحداث سبتمبر وتمادي بعض جماعات السنة وغلوهم في العداء ضد الغرب وفقاً لمخطط الحادي عشر من سبتمبر جعل الحضور الإيراني هو الأبرز لاعتبارات طائفية فذهبت العراق نهباً ثم غيرها مما هو ضمن مخطط الشرق الأوسط الجديد. ومع إعلان الإدارة الأمريكية مؤخراً تسليح المقاومة السورية بتبريرات مواجهة السلاح الكيماوي السوري إلا أن الإدارة الأمريكية تحبذ أمساك العصا من المنتصف لتوجه لإيران وكل حلفائها أن هناك خطاً أحمر يجب التوقف عنده وإن تجاوز التوازنات المحددة قد يجلب للإدارة الأمريكية ومصالحها في المنطقة صداعاً وربما نزيفاً لا يمكن التحكم بنهايته. لذلك كان التوجه الأمريكي نحو تسليح المقاومة السورية فصلاً مهماً في مجريات اللعبة الحالية. وتبقى ضرورة أن يستعيد رموز المشهد السياسي في لبنان مكانتهم لاسيَّما السنة منهم بتأهيل قدرات فاعلة لمواجهة اللعبة في المشهد السياسي اللبناني وهو دور يفرض حضوراً ودعماً من الدول العربية المعنية بالشأن اللبناني حتى لا تظل ساحته نهباً للمرتزقة ومحلاً لتمرير الأجندات نحو المنطقة كلها. أعتقد أن لبنان بحاجة إلى حريري آخر ربما في شخص بمكانته ونفوذه وقد لا يكون سعد الحريري هو اللاعب الأبرز باسم السنة الآن فاللعبة تحتاج كاريزما خاصة. لذلك يفتش اللبنانيون جميعاً عمن يخوض باسمهم غمار المرحلة قبل أن تأتي الظروف على الأخضر واليابس.