17 سبتمبر 2025
تسجيليدور الحديث هذه الأيام عن تعديل قانون الصحافة والمطبوعات، وجرت محاولات لعزل أو تجاوز اتحاد الصحفيين عن المشاركة في هذا الحوار من جهات عديدة.. جهات معنية بالأمر وجهات غير معنية ودخيلة وليس لها دراية بخلفيات هذه المهنة ومنابعها وتاريخها وكيف بلغت هذه الدرجة من التنظيم.. نحن مع تنظيم المهنة ومع رفع درجة الممارسة المهنية ومع قيام أهل التخصص والموهبة والقدرات ولسنا مع التدجين والهيمنة والسيطرة والتكبيل والتقييد.. لأنها قاتلة وعدو الصحافة الأول في عصر تكسرت فيه الحدود...وتجاوز الناس كل القيود التي يسعى البعض أن يضعها في وجه الحقيقة.. الإعلام اليوم صار حقاً تجاوز وثيقة الحقوق الأساسية المضمنة في الإعلان الدولي لحقوق الإنسان وتجاوز المادة 19 من تلك الوثيقة التي حاولت أن تقنن للحق في الإعلام وصار إعلام القرب هو الأقوى والإعلام الاجتماعي والتواصلي والتفاعلي متاحاً يملأ سموات الدنيا وفضاءاتها.. قانون الصحافة الذي تفتقت عنه عقلية المستعمر الإنجليزي عام 1930 لم يعد يصلح اليوم إذا مارسنا التعامل معه بذات العقلية التحكمية.. هذا القانون عندما نشأ كان تابعاً للسكرتير الإداري (وزير الداخلية) وكانت له مطلق الحرية في إيقاف الصحف والصحفيين.. ثم صار تابعاً لسلطات الجمارك لأن المؤسسة الصحفية كانت بجانب إصدار الصحيفة تقوم باستيراد الصحف الأجنبية وتوزيعها، والاتجار كذلك في الأدوات المكتبية ومطلوبات صناعة الصحافة.. فكان مكتبة السودان التي عرفناها مسبقاً بـ Sudana Book Shop هي واجهة جريدة السودان الحقيقية.. ومكتبة النهضة كانت تابعة لمجلة النهضة التي كان يصدرها محمد عباس أبو الريش.. ومن هنا جاءت تبعية القانون لسلطات الجمارك لرعاية الواردات من أدوات صناعة الصحافة والصحف والمجلات الإنجليزية والعربية.. وكان القانون تابعاً لوزارة الاستعلامات والعمل ثم إدارة صغيرة لوزارة الإعلام ولكن وبعد مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا الإعلام الذي شارك فيه كل ألوان الطيف الصحفي عام 1989م وكان من مخرجاتها قانون الصحافة بسماته الحالية وكان المجلس المهني الذي تم اقتراحه بصورة ونفذ بصورة مغايرة هو الحال اليوم. إذا أراد البعض أن يتحدث عن المجالس المهنية التخصصية فلينظروا وهم يعملون على تعديل القانون والمادة ترتيب الاختصاصات ومفردات تشكيل مجلس الصحافة وأن يتأكدوا من أن المجلس المهني يتكون من داخل مختصين بالمهنة لأنهم أدرى بضروبها وأعلم بمطلوباتها وشروطها.. ووقتها سوف تتغير أمور كثيرة... فلن يكون لغير المتخصص في الصحافة مكان لا في المجلس ولا في الممارسة وعليهم أن يدركوا أن امتحان مهنة القانون المؤهل لممارسة القضاء جالساً وواقفاً يتيح المجال لحملة الشهادات في المهن الأخرى للجلوس للامتحان وليس هناك مجلس بمعزل عن اتحاد المحامين يقوم بتسجيل ومساءلة المحامين، وقس على ذلك مهنة الهندسة، الطب، البيطرة وجميع التخصصات... ففي عصر التخصصات لا مجال لغير المتخصصين لولوج المهنة.. صحيح قد تكون لطبيب أو محام أو أديب مهارات وقدرات بلاغية.. ولكننا تجاوزنا في مهنة الصحافة مثل هذه المهارات وصارت هناك معايير أخرى تقنية وفنية ومهنية ينبغي على الصحفي امتلاك ناصيتها وعلى رأسها صياغة الخبر والعمل الاحترافي في المعرفة بكل قوالب العمل الصحفي والإعلامي.. وأمامنا تجارب عديدة تؤكد فشل وإخفاق كثيرين ظنوا أنهم بامتلاك ناصية الكلمة بوسعهم أن يكونوا صحفيين.. إذاً نحن في الاتحاد نتحرك وفق معرفة وخبرة وتجربة متراكمة.. ونتحرك وفق رؤية علمية أكاديمية سواء في قياس درجات المعرفة أو في تقييس مقدار ما يتوفر لدى القادم للمهنة من قدرات معرفية ومعلومات عامة ولغات... وهي المعايير التي ذكرها القانون.. ولعل الأمين العام السابق العبيد مروح الناطق الرسمي باسم الخارجية وهو يتلمس خطاه إلى دهاليز وزارة الخارجية لم تسعفه مقدراته الدبلوماسية على اختيار التوقيت ولا العبارات ولا المفردات الملائمة في الإدلاء برأيه ذلك لكي يقول لأصدقائه أنه أوفاهم حقهم الذي كان يجب أن يوفيه وهو على كرسي الأمانة العامة، وقد أدركنا هذه الحقيقة من خلال محاورتنا بعض منهم حول هذه القضية. واتحاد الصحفيين وهو الاتحاد المهني وفقاً لقانون الاتحادات المهنية الذي ينظم عمل المهن واتحاداتهم لم يضع يده على حق السجل الصحفي خلسة أو على حين غرة.. وإنما جاء ذلك بعد مناقشات وحوارات وتاريخ يحكي وجود السجل عند الاتحاد.. فالسجل الصحفي الذي أحتفظ به أنا كوثيقة صادر عام 1980 وموقع عليه رئيس لجنة القيد مولانا الجمري، وكان المجلس وقتها في رحم الغيب كما كان العديد من الذين يعتدون علينا ويتطاولون.. فالسجل الصحفي تمت كل الخطوات المعيارية التي تجعله مثالاً ونموذجاً للعلمية في التعامل معه، ولم ولن نقف عند النقطة التي تسلمنا فيها السجل وفيه ما يفوق الخمسة آلاف صحفي مسجل وضيقنا الهوامش ويقوم بفحص الطلبات ودراستها أمانة السجل ولجنة السجل التي تضم بجانب سبعة من المكتب التنفيذي المنتخب للاتحاد الأمين العام لمجلس الصحافة والأمين العام لاتحاد الصحفيين ورئيسه.. ولا مجال للمجاملة أو الانتقاء وبإمكان أي جهة تريد التحقق من الشفافية والضبط والربط أن يطلب ذلك شريطة أن تكون جهة معنية أو قانونية. والسجل الصحفي هناك من يتربص به حتى دون أن يدري معاني العبارات التي تم تحفيظه لها لتمرير هذا المخطط.. وبصرف النظر عن العائد المادي الضعيف الذي يعود للاتحاد فإننا نصرف على إجراءاته أكثر بكثير حتى تكتمل الصورة!! وهي ليست عملية جبائية وتجارية كما يظن البعض.. وليست عملية سياسية لإقصاء البعض وتخصيص البعض الآخر.. لا والله وإنما هي عملية مهنية تخصصية رضي الذين كانوا يستفيدون من الدورات التدريبية أم لا...رضي الذين يتوهمون أن السجل يدر أموالاً طائلة ولابد أن تكون لهم فيه شلية أم لا.. أما أولئك الذين يلتمسون الأسباب والوسائل لكي يجدوا فرصة للانقضاض على الاتحاد كما انقضوا على نقابة الصحفيين بعد أن زوروا الكشوفات وحرموا قطاعاً كبيراً من الصحفيين آنذاك من ممارسة حقوقهم المشروعة وأتوا بوزير اتحادي نقيباً للصحفيين وتوزعوا النقابة التي كانت بمثابة وعاء يشمل الصحفيين فحولوها إلى كوتات حزبية بائسة، فليعلموا أن هذا الاتحاد هو اتحاد للصحفيين.. المهنة هي مهنة الصحافة.. والكرة في ملعب الصحفيين فهم أقدر بالدفاع عن كيانهم ومكتسباتهم ورحم الله جيل التأسيس!! الذي أنشأ هذا الصرح في عام مولدي.. وعام الفيضان عام.