01 نوفمبر 2025

تسجيل

آل فرعون..

16 مايو 2019

دون مقدمات وكثير تمهيدات.. ما يحدث في كل من مصر والسعودية والإمارات دون غيرها من بلاد العرب، تجاه علماء ومفكرين ومصلحين وناشطين وحقوقيين وخيرة شباب تلك البلدان، هو ظلم بيّن لا يحتاج لكثير تفسير وبيان. أن يتم زج آلاف العلماء والأطباء والمهندسين والمفكرين وأساتذة الجامعات من شباب وكهول وشيوخ مصر في المعتقلات، بتهم غالبها مختلقة كيدية، إنما هو الظلم ذاته دون أدنى شك. وبالمثل حين يتم اعتقال المئات من المصلحين والمفكرين والتربويين وعلماء دين في الإمارات منذ أكثر من خمس سنوات عجاف، ثم تتبعها المملكة في الفعل ذاته واعتقال المئات من خيرة أهل البلد، بحجج واهية وتهم باطلة، إنما هو ظلم فادح غير مشهود في الخليج. أليس هو الظلم بعينه، حين يتم زج العلماء والمفكرين والإصلاحيين في المعتقلات والسجون، ليس لذنب سوى احتمالية أن يصدر عنهم اعتراضات أو مناقشة قرارات وتوجهات للحاكم يخطط لها.. ألا يمكن ضمن السياق نفسه، اعتبار التأييد والتطبيل لهذا الحاكم وذاك أنه داخل ضمن خانة الظلم؟ أليس السكوت عن هذا الظلم يدخل ضمن نطاق الظلم أيضاً؟ إن واحدة من نعم الله العديدة على بني إسرائيل، والتي أخبر الله بها الجيل الجديد من بني إسرائيل، أنه سبحانه أنجاهم مما كان عليه آباؤهم في فترة ماضية على يد آل فرعون من ظلم وعذاب وإذلال وإهانة مستمرة (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم). إن من نعم الله على عباده التي لا تُحصى، أن يعيش المرء في أمن وأمان واستقرار، تحت ظل حاكم عادل لا يظلم ولا يذل أحدا، فإن مثل هذا الأمن والأمان لا يعرف أحد قيمتها ومقدارها إلا حين تتلاشى وتزول. وهذا الزوال لا يقع إلا حين تضطرب أمور وطنه، إما بسبب خارجي كالحروب والاحتلال وما شابه، أو بسبب داخلي متمثل في حكم جائر ظالم، لا يرقب في الناس إلاّ ولا ذمة. ◄ آل فرعون نموذج للاستبداد آل فرعون، ويدخل ضمن الآل ها هنا، عائلة فرعون مصر زمن النبي موسى عليه السلام، وأقاربه وحاشيته وبطانته والمنتفعون من ورائه والدائرون في فلكه، وكل من رضي بأفعاله وأقواله. هذا الآل كان نموذجاً للحكم الفاسد الجائر المستبد. أهان آل فرعون الناس أيما إهانة. والقرآن الكريم لم يذكرهم في مواقع عدة هكذا من باب سرد القصص والحكايات القديمة، بل جاء بسيرتهم في مواضع عدة لعظم وفداحة الجرم الذي كانوا عليه، والذي على إثره استحقوا خزي الدنيا قبل عذاب الآخرة، وليكونوا عبرة أو جرس إنذار وتنبيها لكل نظام ظالم جائر يحكم مسلمين، ورسالة لهم بأن النهاية لن تكون أقل من نهاية آل فرعون. إذ حاق بهم سوء العذاب ( ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب). إذن من كل ما تقدم، تبدو المسألة واضحة ولا تحتاج لكثير شروحات وتفصيلات. الظلم ظلمات يوم القيامة. والظلم مرتعه وخيم. والعذاب حين يأتي، لن يكون مقتصراً على الظلمة، بل كل من أعانهم ووقف في صفهم، بل الدائرة أوسع ها هنا وتشمل الذين غضوا الطرف عن الظالمين وأفعالهم، ولم يحركوا ساكناً.. لاحظ في الآية الكريمة حين بانت نهاية آل فرعون، أنه جاءت الآية التالية لها لتتحدث عن الصامتين أو الذين غضوا الطرف عن أفعال وتصرفات وسلوكيات الظالمين، الذين اختاروا السير في موكب الظلمة حتى لو ظاهرياً من مبدأ نفسي نفسي، لتؤكد الآية أن مصيرهم لن يكون طيباً يوم القيامة، على رغم ضعفهم وسلبيتهم وعدم قدرتهم مقارعة أهل الظلم بالدنيا، حيث تصف الآية موقفهم حينها (فيقول الضعفاء للذين استكبروا: إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار). بالطبع يومئذ لن يغني أحد أحداً. كل لاه مع نفسه أو مصيبته. نعم كنتم معنا، تصفقون لنا وتهتفون بأسمائنا، لكن كان بإمكانكم الرفض مع ما كان سيجلب لكم ذلك الرفض من قهر وعذاب دنيوي، لكنه كان أهون من هذا الذي أنتم عليه.. هكذا لسان حال الظلمة مع أتباعهم يومئذ. ◄ التنازل عن الكرامة الإنسانية لقد منحهم الله - كما يقول سيد قطب في ظلاله -:" كرامة الإنسانية، وكرامة التبعة الفردية، وكرامة الاختيار والحرية. ولكنهم هم تنازلوا عن هذا جميعاً. تنازلوا وانساقوا وراء الكبراء والطغاة والملأ والحاشية. لم يقولوا لهم: لا، بل لم يفكروا أن يقولوها. بل لم يفكروا أن يتدبروا ما يقولونه لهم وما يقودونهم إليه من ضلال.. إنا كنا لكم تبعا. وما كان تنازلهم عما وهبهم الله واتباعهم الكبراء ليكون شفيعاً لهم عند الله. فهم في النار. ساقهم إليها قادتهم كما كانوا يسوقونهم في الحياة سوق الشياه. ثم ها هم أولاء يسألون كبراءهم: فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار؟ كما كانوا يوهمونهم في الأرض أنهم يقودونهم في طريق الرشاد، وأنهم يحمونهم من الفساد، وأنهم يمنعونهم من الشر والضر وكيد الأعداء ". ذاك إذن هو عذاب الآخرة. فماذا عن عذاب الدنيا لمن يتبع الظالمين أو يؤيد أفعالهم أو يطبل ويسبح بحمدهم أو من يغض الطرف عن مساوئهم؟ إنه ليس شرطاً أن يكون العذاب حين ينزل على الناس، قاصمـــــــاً مهلكاً كعذابات الأقـوام السابقة. إذ يكفي أن يرفع الله الأمن والأمان عن البلد، ليعيش الناس عذاباً معنوياً أو نفسياً بالغ الأثر، أو أن يأتي العذاب على شكل غلاء فاحش عميق في تكاليف المعيشة والحياة اليومية، أو على صورة المزيد من الإهانات والاستخفاف؛ يقوم به الحاكم الظالم تجاههم. الأسوأ من كل أنواع العذابات السابقة، أن ينزل الله عذابه عبر تجبّر الحاكم واستبداده حين يشعر باقتراب نهايته، ليبدأ يقود مسيرة الفناء.. هذا الفناء الذي لا يصيب المستبدين فحسب - كما يقول الكواكبي - بل يشمل الدمار:" الأرض والناس والديار، لأن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب ضربا عشواء، كثور هائج أو مثل فيل ثائر في مصنع فخار، تحطم نفسها وأهلها وبلدها قبل أن تستسلم للزوال. وكأنما يُستحق على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم، وقبولهم القهر والذل والاستعباد، وعدم تأملهم في معنى الآية الكريمة (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب). [email protected]