19 سبتمبر 2025

تسجيل

رقاب أعزها الله وأذلها العباد

16 مايو 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); إذا كانَ من معانيِ الأضحيةِ أنها عطيةٌ تحملُ الخطيئةَ عن صاحِبها وترمزُ إلى تضحيةِ الإنسانِ بنفسهِ في سبيلِ الله، فإنَ هناكَ مَن يجدُ في قتلِ الإنسانِ لذةً يحتفلُ بِمَنظَرِها وبشاعةً يبتهجُ برؤيتها، فساستُنا وقُضاتُنا لا يطاوعُهم ندمٌ في الضمير، ولا ترتعشُ في عيونِهم دمعةٌ واحدةٌ على ضحايا السجون لا تسمَعُ آذانَهمْ صرخاتِ المظلومين ولا ترقُ قلوبُهم لأنينِ المرضى والمستغيثين الذين يتمنون أن تنقذهم دعوات أمهاتهم أو خلوة آبائهم لحظة مناجاة يهمسون بها صمتا مع الخالق ودموع القهر تحرق قلوبهم أو صرخات أولادهم عندما يداهمهم العوز فيتضورون جوعا، فلا يجدون من يمد في أفواههم لقمة تسد رمقهم، لتطفئ لوعتهم أو حسرتهم. إِن هؤلاءِ السجناءَ الأبرياءَ لو حصحصَ الحقُ، ووضعَ الظلمُ أوزارَه، وجرى التحقيقُ مَعهمْ بطريقةٍ منصفةٍ وعادلةٍ، من دونِ تفريقٍ ولا تميّيزٍ، ما كانوا يحتاجونَ بالأصلِ إلى قانونٍ، يطلقُ عليه العفوُ العامُ، لأن اغلبَ هؤلاءِ المحكومينَ والمدانينَ جاءوا ظلمًا في جرائم لمْ يقترفوها ولا يعرفونَ تَوابَعها ولا حتى متى يخرجون منها وأن أسقطَ القضاءُ التهمَ عنهم، فإن إطلاق سراحِهمْ يستوجبُ البقاءَ سنينَ بسببِ مساوماتِ قساةِ القلوبِ وغلاظِ الأكباد، الذين يعلمون علم اليقين، أن ضحايا أيديهم المكبلين خلف القضبان، لم يمارسوا السرقة يوما، ولم يدمنوا على التزوير والفساد، ولم يتعلموا فنون الكذب والدجل والرياء، كما هم فاعلون، بل إنهم بذلوا كلّ جهدهم بصمت وتواصلوا مع الحياة بأدب وتعاملوا مع الناس بصدق وحياء.إن ما يحدثُ في العراقِ اليومَ هو نموذجٌ حيٌّ لفشلِ القادةِ والسياسيين في ترسيخِ مفاهيمِ الحكم، فالعراقُ الموحّدُ نراه يتمزقُ داخليا ويسودُه التفككُ والانقسامُ والتنازعُ على السلطةِ بينَ القوى والأحزابِ المختلفة، دونَ أن يعترفَ الجميعُ بحريةِ الاختلافِ وعدمِ إقصاء الآخر، فيما يستمرُ مسلسلُ القتلِ والخطفِ والتهجيرِ وقطعِ الأرزاق، والضحايا هم العراقيونَ وحدَهم الذين يقتسمونَ الموتَ كما يقتسمونَ رغيفَ الخبزِ. شعاراتُ الإصلاحِ التي رفعتهَا الحكومةُ يعترضُها أصحابُ السطوةِ والنفوذِ الذين لاهمَّ لهم سوى إرضاءِ أنفسِهم المريضة والخاليةِ من الضميرِ، لأنهم مصممونَ على أن يقولوا لنا: ارحلوا عن بلدِكم فلم يعدْ لكم أمنٌ ولا أمانٌ فيه.أي إصلاحاتٍ هذه التي تقطعُ الأرزاقَ عن أبنائِنا وتحرمُهم لقمةَ العيشِ، أي إصلاحاتٍ هذه التي تطلبُ من المواطنينَ الآمنينَ الذين يطالُهم رصاصُ الغدرِ في بيوتِهم أن يعالِجوا جرحَاهم من أموالِهم وتحرمَهم حقَّ العلاجِ في مستشفياتِ الحكومةِ الخاليةِ من أبسطِ مستلزماتِ العلاجِ الذي يضمنُ صحتَهم، أي إصلاح هذا الذي يسمحُ لمدراء المؤسساتِ أن يديروا أعمالَهم وهم قابعونَ يتسكعونَ في ردهات فنادقِ الخمسةِ نجوم. أي إصلاحات هذه التي لا تحمل في يدها سيف الحق، لتجتز به رقاب الباطل، هذه ليست إصلاحات بل ترقيعات وضعت على ثياب مهترئة مزقتها مخالب قذرة وأنياب كاسرة، لم تسعف نفسها أمام وحشة المنظر، فتلاشت أمامها وصغرت لإرادتها، كونها كانت جزءا من هذا الرداء الممزق. تبا للسياسة التي تكون سببا في تجويع الناس وحرمانهم من لقمة العيش! وتبا لقانون لا يفرق بين البريء والمسيء ولا بين الحمل والذئب ولا بين الخير والشر، فثمة فارق بين القانون والعدل، فليس كل قانون عادلًا، فالعدل قيمة إنسانية توختها شرائع السماء قبل مسلات أهل الأرض، أما القانون فقد يأتي مجحفًا أو مجافيًا للإنصاف وقد يصب في روح العدالة ويكرسها. هذه صرخةٌ مدويةٌ نُطلقُها للذينَ في آذانِهم وقرٌ، أننا راسخونَ في الأرضِ كما هو نخيلُ العراق.