15 سبتمبر 2025
تسجيل* الليل يا أماه ذئب جائع سفاح يطارد الغريب أينما مضىويفتح الآفاق للأشباحماذا جنينا يا أماهحتى نموت مرتينفمرة نموت في الحياةومرة نموت عند الموتهل تعلمين ما الذي يملؤني بكاء؟هبني مرضت ليلة وهد جسمي الداءهل يذكر المساءمهاجراً أتى هنا.. ولم يعد إلى الوطن؟هل يذكر المساءمهاجراً مات بلا كفن؟* هذا محمود درويش يعزف، وينزف، يُملي سن قلمه من دمه الراعف ويكتب شجن الفلسطيني الغريب، الضائع في القفار، والفيافي، والشتات، الماشي على حد السكين، لكن يعزيه اليقين، رغم كر السنين، لابد يذكر أنهم قالوا أسبوع وتعودون للديار، ومر أسبوع تتلوه أسابيع، تتلوه الشهور، تتلوه السنون حتى وصل الصابرون للذكرى الثامنة والستين دون عودة، لا تفارقهم رائحة الوطن الذي فارقوه، محمود درويش واحد من الذين حرمتهم النكبة رائحة الوطن، برتقالة، وزيتونة، لوزة، وليمونة، حلمة، وكرومة، الحبق والعوسج، الصفصاف، والزنبق، ورؤية الجميلة صاحبة الجديلة، أفقدته النكبة لمس عاصمة الوطن المقدسة وهي في الأسر حزينة، ولم يعد مع الوجع إلا الحلم ونهنهات العاشق الموجوع بالوطن.* حلمت بعرس الطفولةبعينين واسعتين حلمتحلمت بذات الجديلةحلمت بزيتونة لا تباعببعض قروش قليلةحلمت بأسوار تاريخك المستحيلةحلمت برائحة اللوزتشعل حزن الليالي الطويلة.. بأهلي حلمتبساعد أختي سيلتف حولي وشاح بطولةحلمت بليلة صيف.. بسلة تينحلمت كثيراًكثيراً حلمتإذن سامحيني!!* وصلنا للعام الثامن والستين والعرب الرائعون، ينظرون، لا يشفعون ولا ينفعون، أتأمل كعربية أوجاع الفلسطينيين فلا أرى من ذوي القربى إلا مواهب الخطابة، والعنتريات، وخطب الشجب، والاستنكار، وبعدها تدق الطبلة، وتصدح الربابة!!* ثمانية وستون عاماً، والفلسطينيون يبحثون عن وطن تحت ركام النكبة، وكل يوم يتعلم الصغار أن شرف الحياة، وعزة الأوطان لا يتأتيان إلا من فوهة البندقية وأن كل فلسطيني حر أينما كان حمل وطنه في قلبه، متعانقين حتى الحرية.* آه يا جرحى المكابروطني ليس حقيبةوأنا لست مسافرإنني العاشق والأرض حبيبةأموت اشتياقاًأموت احتراقاًوشنقاً أموتولكنني لا أقول مضى حبنا وانقضىحبنا لا يموت* وكل يوم يؤكد الفلسطيني المحتضن بندقيته، العارف أن أرضه هي عرضه أن قرار المقاومة لاسترجاع ما سلب هو دستور حياة، ونهج عشاق كلهم منذورون للشهادة لا غيرها، لا يغيرهم جوع، ولا حصار، لا يثنيهم تآمر ولا تخل، نعم يعشق الفلسطيني الملاحق في موانئ الدنيا، المتهم حتى تثبت إدانته يعيش وفيا لحبه العظيم، لأرضه، متشبثاً بجذور ترابه كزيتونة وفية، دامعة لكن قوية، مكابرة لكنها على الغصب عصية.* يا فلسطينيي الشتات، وأينما كنتم تصبحون على وطن. * * * طبقات فوق الهمس* جذوري قبل الميلاد.. وقبل تفتح الحقب.. وقبل السرو والزيتون.. وقبل ترعرع العشب، أبي من أسرة المحراث لا من سادة نجب، وجدي كان فلاحاً بلا حسب ولا نسب، يعلمني شموخ الشمس قبل قراءة الكتب، وبيتي كوخ ناطور من الأعواد والقصب، فهل ترضيك منزلتي؟ أنا اسم بلا لقب.. (محمود درويش).