20 سبتمبر 2025
تسجيلواحدة من سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي، رغم وجود الإيجابيات المتعددة لها، نشوء ما يمكن أن نسميه "بلادة الإحساس" في نفوس كثيرين ممن أدمنوا أو صاروا إلى الإدمان أقرب، على تلك الوسائل والتقنيات. صار المرء منا أقرب إلى أن يُطلق عليه "إنسان عديم الإحساس"، إن صح وجاز لنا التعبير، لماذا؟ لأنه من ضخامة وكثرة ما يرى من بعض الأمور الدافعة لبلادة الإحساس أو موتها تقريبًا، صار يستحق ذاك اللقب، دونما حاجة إلى كثير من شروحات وتفاصيل.. خذ على ما نقول بعض الأمثلة..من كان قبل هذا الانفتاح الحاصل في العالم يجرؤ على مشاهدة صور المذابح والقتل والدماء والأشلاء؟ ومن كان يتصور أن يتبلد الحس إلى درجة أن يشاهد المرء منا الآن عمليات ذبح وحز الأعناق، أو إعدام البشر شنقًا وحرقًا ورميًا بالرصاص وصولًا إلى السيف؟ ومن كان يستمتع بمشاهدة أفلام حقيقية لبشر يموتون في حوادث سيارات أو غيرها؟ الأمثلة أكثر من أن نحصيها في مساحة محدودة كهذه.الأمر صار أشبه بمسألة الاعتياد على المنكر من القول أو الفعل حتى درجة الألفة! نحن اليوم، وبسبب كثرة الاطلاع على الصور والروابط المرسلة عبر وسائل التواصل، خاصة تلك المؤلمة والشنيعة، صرنا لا نهتم ولا نشعر بما نرى ونسمع، وربما بعضنا يتألم بعض الشيء، لكنه بعد قليل سينشغل بأمور حياتية أخرى، وربما يشاهد صورًا وأفلامًا أخرى تأتيه بالغد وكأن بالأمس ما حدث شيء، وهذه هي الألفة التي أعنيها.هذا هو واقعنا.. والمؤلم فيه أن العدوى انتقلت إلى الأطفال، الذين فقدوا البراءة التي كنا نستشهد بها قديمًا، وصار الطفل اليوم أكثر ميلًا نحو عنف الألفاظ وعنف التعامل، وصار أكثر جرأة في الاستمتاع بمشاهد الرعب والألم! وهذا بكل تأكيد لن تكون نتائجه المستقبلية سارة ومحمودة.هذا السيل العرم من المعلومات المتنوعة المتدفقة عبر وسائل التواصل، لابد من تهذيبها وضبطها، والمستخدم نفسه يبدأ قبل غيره، ثم الآباء والأمهات والأبناء أنفسهم. مسؤوليتهم كبيرة هنا.. أضف إليهم مؤسسات التعليم والتوجيه والإرشاد وما شابهها، عليها واجب التوعية والتنوير. نحن قاب قوسين أو أدنى من قيام جيل عنيف سيتوحش بعد حين من الدهر قصير، وسينفلت كما انفلت غيره في مجتمعات متقدمة.. ولو لم نتنبه للأمر سريعًا، فالجيل قادم في خطر آكد دون أدنى ريب..فماذا نحن فاعلون؟