15 سبتمبر 2025

تسجيل

الإعلام والإرهاب والموضوعية والفضاء العام

16 مايو 2015

في اليوم الثاني من فعاليته ناقش منتدى الدوحة الخامس عشر، الذي انعقد مؤخرا بالدوحة، في جلسة الإعلام مواضيع حساسة وذات أهمية كبيرة لارتباطها بما يجري على الساحة السياسية والإعلامية والاقتصادية محليا ودوليا. محاور الجلسة ركزت على الإعلام والإرهاب والسياسة، الموضوعية والحياد في تغطية الأزمات، الإعلام والعلاقات بين الدول، الإعلام الجديد وتأثيراته على الممارسة الإعلامية في الوطن العربي والشبكات الاجتماعية والفضاء العام في العالم العربي. تكتسي إشكالية الإرهاب والإعلام رهانات وتحديات أخلاقية وسياسية وأيديولوجية واقتصادية كبيرة جدا مما يجعل العلاقة معقدة وذات أبعاد عديدة متداخلة ومتشابكة. تطرح معادلة الإرهاب والإعلام والسلطة مشكلة الوطنية وحق الفرد في المعرفة وابتزاز واستغلال الإرهابيين لوسائل الإعلام للحصول على منبر يحقق لهم العلنية والحضور الإعلامي والوصول إلى الرأي العام محليا ودوليا. أين هي مصلحة الفرد والمجتمع في ظل هذه العلاقة المعقدة؟ وهل لا يوجد هناك تعارض ما بين الابتزاز والاستغلال وحق الفرد في المعرفة؟ وهل لا يوجد هناك تعارض بين الوطنية من جهة والبحث عن السبق الصحفي والإثارة من جهة أخرى؟ هناك صعوبة في تحديد الإطار المنهجي والنظري والقيمي الضابط للعمل الإعلامي، خصوصا التغطيات الإخبارية والإعلامية اليومية لأنشطة ومطالب الجماعات الإرهابية المحلية والعالمية. من هنا تواجهنا عدة تساؤلات وإشكاليات منهجية يصعب تحديد إطارها والإجابة عنها بشكل دقيق، وذلك نظرا لطبيعة العمل ودور المراقبة الذي يجب أن تلعبه وسائل الإعلام الجماهيري في خدمة المجتمع، وكذلك طبيعة التشريعات والقوانين وأخلاقيات العمل الإعلامي المعمول بها. فما العلاقة - إن كانت هناك علاقة - بين وسائل الإعلام والإرهاب؟ ولماذا يركز الإرهابيون دائما على استغلال وسائل الإعلام للوصول للرأي العام المحلي والدولي؟ كيف يجب أن تتعامل وسائل الإعلام مع هذه الظاهرة؟ هل بالتغطية أم بالتعتيم؟ وهنا نواجه إشكالا أخلاقيا عويصا ومعقدا: هل إذا قمنا بتغطية الأحداث الإرهابية نخدم الرأي العام أم أننا نخدم الإرهابيين؟ وهل التغطية تفيد في شيء الرأي العام؟ كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تحدد متى يجب تغطية حادث أو واقعة ومتى يجب المقاطعة وعدم التغطية؟ وإذا تقرر تغطية الخبر كيف يجب أن يُعالج وبأي طريقة وما هي الجوانب التي يجب التركيز عليها والجوانب التي يجب تجاهلها؟ متى يجب على الصحافة ووسائل الإعلام الالتزام بعدم نشر معلومات وأخبار حيث إنها إذا نُشرت قد تؤدي إلى انعكاسات وخيمة؟ هذه التساؤلات والاستفسارات يطرحها كل رئيس تحرير ورئيس قسم ومسؤول في مؤسسة إعلامية عندما يتعلق الأمر بتغطية الأحداث والوقائع الإرهابية؟ الموقف أخلاقي بالدرجة الأولى ويتطلب القرار الرشيد والمسؤول قبل كل شيء. تعتبر إشكالية الموضوعية من المواضيع الشائكة في أدبيات علوم الإعلام والاتصال حيث إنها كانت ولا تزال على الدوام موضوع جدال ونقاش واختلاق كبير بين العلماء والباحثين والمهتمين بالشأن الإعلامي. والكلام عن الموضوعية هو تمويه وتبرير لممارسة، مهما كانت نية صاحبها للتجرد من الذاتية ومن الانحياز لطرف على طرف آخر، إلا أنها في واقع الأمر ممارسة لا يستطيع صاحبها أن يتجرد من الذاتية عندما يفضل عنصرا في القصة الخبرية على عنصر آخر أو حتى عندما يرتب العناصر المختلفة في الخبر. بحيث يتم هذا الترتيب وفق أولويات يحدد هو أو تحددها معايير مهنية قد لا تكون موضوعية. هذا ناهيك عن السياق والخلفية والإطار الخاص والعام الذي تقدم من خلاله الأخبار والأحداث اليومية. والقائم بالاتصال، مهما كانت حرفيته ومهنيته والدرجة العالية من الأخلاق والنزاهة التي يتحلى بها إلا أنه يبقى إنسانا له أيديولوجية معينة وإطار مرجعي محدد وخلفية وجذور وميول وأفضليات وأولويات وتأويلات وأفكار مسبقة وصور نمطية. فهناك أحداث كبيرة عبر التاريخ كشفت عن الانحياز الأعمى لصحفيين كبار على الصعيد الدولي ليس لصالح الحق والحرية والاستقلال وإنما لصالح التمويه والتشويه والانحياز للقوى الغاشمة الظالمة. فميثاق الموضوعية ما هو إلا خدعة كبيرة للرأي العام ولجماهير القراء ومستهلكي وسائل الإعلام لإقناعهم بأن هذه الأخيرة تقوم على الحرفية والمهنية وعدم الانحياز والالتزام بالحقيقة وتقديم وجهات نظر الطرفين أو الأطراف الضالعة في الخبر. فيرى ألتشول مثلا، أن قضية واترغيت ورغم الضجيج الإعلامي الكبير والانتقادات الكبيرة التي وُجهت للرئيس نيكسون، رغم كل ذلك فشلت المؤسسة الإعلامية الأمريكية في الكشف عن عيوب وسلبيات مؤسسة الرئاسة الأمريكية وفي الأخير اُنتقد الرئيس ولم تُنتقد الرئاسة وفي النهاية أُجبر نيكسون على الاستقالة، وراح ضحية النظام أو ما يسمى عند الأمريكيين بالإستبليشمنات Establishment. من جهة أخرى، نلاحظ أن ميثاق الموضوعية يكون صالحا في حدود الدولة فقط، لكن عندما ينتقل الموضوع إلى نزاع بين دولة الصحفي أو المؤسسة الإعلامية ودولة أخرى، فتصبح الموضوعية أسطورة وخرافة. وهنا تصبح المؤسسة الإعلامية والصحفي غير ملزمين بتقديم وجهتي نظر الدولتين محل النزاع. فالصحفي ينحاز بطريقة أوتوماتيكية لبلده وإذا قدم أطروحة البلد الخصم يصبح خائنا وغير وطني وغير ملتزم بخدمة وطنه. وهذا ما أكدته الأحداث التاريخية كتعامل الإعلام الفرنسي مع حرب التحرير الجزائرية، أو تغطية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، أو الصراع بين أمريكا وكوبا، أو حرب الخليج الثانية والثالثة...إلخ. يفرض منطق التعددية الديمقراطية على وسائل الإعلام إعطاء نفس الفرص ونفس المساحة لمختلف القوى السياسية والاقتصادية في المجتمع. لكن وسائل الإعلام، ومع الأسف الشديد، تعمل وفق ضغوط وقيود خفية تقصي كل ما من شأنه أن يحاول التغيير في المجتمع أو يهدد النظام الاجتماعي والنظام السياسي والاقتصادي. وكنتيجة لهذه الآليات الخفية والميكانيزمات المحددة سلفا، فإن وسائل الإعلام تقوم بالدور الاستراتيجي في عملية التحكم الاجتماعي حيث إنها تعمل كعميل للنظام القائم. وبهذا المفهوم، فإن ميثاق الموضوعية نفسه ما هو إلا ميكانيزم للتحكم الاجتماعي. يلعب الإعلام العربي دورا محوريا في إثراء الفضاء العام من خلال تعزيز الهوية الثقافية والمشاركة السياسية، كما أنه لا يمكن البحث عن إطار واضح المعالم لإعلام عربي بهوية متماسكة دون التأسيس لنظرية اجتماعية وسياسية تقوم على النسيج القيمي العربي الإسلامي والتقاليد المعاصرة في المشاركة السياسية والاجتماعية في إطار مجتمع مدني فعال وديناميكي، لأن الإعلام لا يعمل في فراغ، بل يجسد دائما الرؤى الفكرية والثقافية السائدة في المجتمع في إطار منظومة واضحة ومتكاملة تقوم على منهج متناسق ومتكامل يجمع ما بين الأصالة ممثلة في قيم الإسلام العظيمة، والمعاصرة ممثلة في ممارسات العمل السياسي الحديث. فبعد مرور أكثر من 200 عام على حملة نابليون بونابرت على مصر، مازال العالم العربي يبحث عن رؤية توفيقية تجمع بشكل متناغم بين القيم والتقاليد العربية الإسلامية وبين الممارسات الغربية المعاصرة في شتى جوانب الحياة. البحث مازال قائما حتى الساعة بل زاد حدة مع بداية التسعينيات من القرن الماضي في ظل أفول الشيوعية ونهاية الحرب الباردة وهيمنة العولمة على مختلف جوانب الحياة في العالم العربي.