13 سبتمبر 2025
تسجيلعاد المجلس الوطني التأسيسي في تونس إلى مناقشة موضوع التطبيع على خلفية القضية التي أثيرت مؤخرا، بسبب دخول عدد من السياح الإسرائيليين لتونس. وكانت أصابع الاتهام في هذا الموضوع موجهة إلى الوزيرين، السيدة آمال كربول وزيرة السياحة، والسيد رضا صفر الوزير لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن، بأنهما أفسحا في المجال لدخول السياح الإسرائيليين إلى تونس، الأمر الذي يتناقض مع الثوابت الوطنية والقومية للشعب التونسي المتعلقة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني. وتشغل السياحة في تونس نحو 400 ألف شخص "بشكل مباشر" وحوالي مليوني شخص "بشكل غير مباشر" بحسب وزارة السياحة التونسية. علماً أن الموسم السياحي لهذه السنة يبشر بالكثير، إذ دخل حوالي مليون ونصف المليون سائح خلال الأشهر القليلة الماضية من هذه السنة، الأمر الذي اعتبره المحللون بأنه مؤشر إيجابي للسياحة التونسية، التي تمثل الركن الأساسي للاقتصاد التونسي من حيث تدفق العائدات من العملة الصعبة، لا سيما وأن البلاد التونسية تعيش أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها المعاصر. وكان أعضاء كتلة "المؤتمر من أجل الجمهورية"، وكتلة "حركة النهضة" وعدد من نواب "كتلة التحالف الديمقراطي"، والنائب عن "الحزب الجمهوري" إياد الدهماني، أي أكثر من ثمانين نائباً، قدموا مكتوبتين إلى المجلس التأسيسي في 24 أبريل الماضي، يتهمان فيهما الوزير المكلف بالأمن الوطني رضا صفر بالسماح كتابيا لدخول سياح إسرائيليين جزيرة جربة في الجنوب لزيارة «كنيس الغريبة"، ما يشكل محاولة "تطبيع مع الكيان الصهيوني"، ووزيرة السياحة آمال كربول باستقبالهم. ونظراً لحساسية الوضع السياسي التونسي، والتداعيات الخطيرة لإثارة موضوع التطبيع على الموسم السياحي التونسي، فقد أعلن مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي أنه "تم سحب لائحتي اللوم"، أي سحب ثقة، من وزيرين تونسيين اتهما "بالتطبيع" مع إسرائيل، قبل دقائق قليلة من موعد التصويت عليهما، في الجلسة العامة التي انعقدت يوم الجمعة 9مايو الجاري. وتم تعويض اللائحتين ببيان موجه للحكومة أكد على "التزام تونس دولة وشعبا بمساندة الشعب الفلسطيني وتمسكها بعدم التطبيع مع الاحتلال الصهيوني ودعوة جميع الأطراف لاستكمال المرحلة الانتقالية وإجراء المحطات الانتخابية العام 2014". وأثارت عملية سحب اللائحتين ردود أفعال غاضبة في الصحافة التونسية، إذ تحدثت صحيفة "الصباح" عن "مهزلة في التأسيسي"، بينما اعتبرت "لوكوتيديان" أنها "زوبعة في فنجان"، مشيرة إلى أنّ "الجمعية العامة اقتصرت على استعراض لبعض (النواب) الذين يفتقرون إلى حضور إعلامي".أما صحيفة "لوتان" فأعربت بدورها عن الأسف "ليوم مناقشات بلا فائدة"، مضيفة أنّ "الوزيرين أفلتا" من حجب الثقة برغم الجدل الذي سبق جلسة الاستماع إليهما. وكانت وزيرة السياحة نفت أثناء الجلسة أن تكون استقبلت سياحا إسرائيليين، مبررة تصريحاتها المؤيدة لقدوم السياح من كل الجنسيات إلى تونس بضرورة إنعاش السياحة، القطاع الأساسي في الاقتصاد التونسي، والتي تراجعت بتأثير تداعيات الثورة التونسية قبل ثلاث سنوات. ومن جانبه نفى وزير الأمن الوطني التورط في أي تطبيع، موضحا أنه اتبع الإجراءات المعمول بها وهي السماح لكل السياح الذين يأتون إلى تونس في رحلات بحرية وينزلون لساعات فيها بـ"جواز عبور" دون قبول التعامل مع أي جواز إسرائيلي وأشار الوزير المكلف بالأمن إلى أن تونس تمنح منذ سنوات "رخص المرور" للصهاينة الذين يحجون سنويا إلى كنيس الغريبة اليهودي في جزيرة جربة" الواقعة في جنوب شرق البلاد. كما أضاف أن الرخص تمنح لـ"عرب 48 الذين يشاركون في المؤتمرات.. الدولية (بتونس)"، أو للسياح الإسرائيليين الذين يزورون البلاد ضمن رحلات سفن سياحية عالمية ترسو بضع ساعات بموانئ سياحية تونسية. وذكّر الوزير أن مسؤولا في ميناء حلق الوادي منع في مارس الماضي 14 إسرائيلياً من النزول من سفينة سياحية رست بالميناء، ما أدى إلى استهداف تونس بـ"حملة إعلامية" تتهم البلاد بـ "التمييز إزاء الدين اليهودي". وأضاف أنه أصدر إثر هذه "الحادثة" مذكرة مكتوبة بتاريخ 11 أبريل 2014، طلب فيها من مصالح الحدود التونسية منح "رخص مرور" للإسرائيليين في الحالات المعمول بها، وللرد على "حملة دولية" تتهم تونس بـ"التمييز". وشدد صفر على عدم إمكانية "الطعن في أشخاصنا بالتطبيع، والتجني (علينا) بهذه الطريقة خطير جدا"، مشيرا إلى أنه "من الخطير القول إن الأمر يتعلق بالتطبيع فهذا أمر خطير.. القضية إدارية وإجرائية فحسب". وقال النائب فيصل الجدلاوي، الذي كان من بين 80 نائبا وقعوا على عريضة طالبوا فيها بسحب الثقة من الوزيرين، "لم نقم بثورة حتى يكون أول إجراء ثوري نقوم به هو التطبيع مع الكيان الصهيوني". مازال الموقف من القضية الفلسطينية يشكل في الذهن الجماعي التونسي حداً فاصلاً بين العداء والتطبيع مع الكيان الصهيوني، على الرغم من أننا لم نعد نشهد في تونس مظاهرات شعبية كما في السابق بمجرد حدوث صدام مسلح بين العرب والفلسطينيين من جهة، والصهاينة من جهة أخرى. ويرفض غالبية التونسيين في سياق التضامن مع الشعب الفلسطيني، أي سلوك من شأنه إقامة علاقات "طبيعية" مع إسرائيل طالما لم يحصل الفلسطينيون على دولتهم المستقلة. فتونس استقبلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وآلاف المقاتلين الفلسطينيين، عقب الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982. وكانت تونس مقرا بين 1982 و1994 لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وللرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وكان سلاح الجو الإسرائيلي أغار في أكتوبر 1985 على حمام الشط جنوب العاصمة حيث كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية. وقتل في الاعتداء 68 تونسيا وفلسطينيا. كما اغتالت إسرائيل في 1988 بتونس خليل الوزير (أبو جهاد) المسؤول الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية. ورغم أن تونس تبادلت مع إسرائيل مكتبيْن لرعاية المصالح في عام 1996، فإن الحكومة التونسية قررت في أكتوبر 2000 إغلاق المكتبين، تنفيذا لقرارات القمة العربية، إثر قمع إسرائيل الانتفاضة الفلسطينية. إذا كانت مثل هزيمة حزيران / يونيو 1967، وتوقيع اتفاقيات كمب ديفيد عام 1978، ومعاهدة السلام المصرية مع الكيان الصهيوني عام 1979، قد شكلت اتجاها تاريخيا بالغ التعقيد نحو التسوية للصراع العربي – الصهيوني، فإن اتفاقيات أوسلو عام 1993، ومعاهدة وادي عربة الأردنية – الصهيونية عام 1994، قد دفعت الدول العربية إلى الترويج لمقولة مفادها أن التطبيع والسلام مع الكيان الصهيوني أصبحا وشيكين للغاية وتاليا يتعين على الدول العربية، ولا سيما منها المغاربية، الإسراع في الرهان على "الكعكة الصهيونية" قبل فوات الأوان. ومنذ أن تم توقيع اتفاقات أوسلو-واشنطن القاهرة بين القيادة الصهيونية وقيادة الفلسطينية في 13 سبتمبر 1993، وتقديم المحيطين بالزعيم الراحل ياسر عرفات والنظام التونسي ذلك الاتفاق وكأنه النصر الحاسم ومفتاح الدولة الفلسطينية الذي كان مفقوداً وتم العثور عليه، تباينت المواقف من التطبيع مع العدو الصهيوني في صفوف المعارضة التونسية بين مؤيدين لخط التسوية، الذين يرون في الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود هو طريق الاستقلال ذاته الذي ارتضته السلطة الفلسطينية، وبين معارضين لكل ذلك جملة وتفصيلا معتبرين أن الانخراط في الكفاح من أجل تحرير فلسطين ومعاداة الكيان الصهيوني، كان ومازال يعتبر واجباً قومياً ودينياً، ويشكل أحد المقومات والثوابت الوطنية للشعب التونسي. ونظراً للالتباسات الحاصلة حول موضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني، فقد جزم رئيس حزب النهضة التونسي الشيخ راشد الغنوشي أن تونس لن تعترف أبداً بإسرائيل. وقال الغنوشي، في حوار مع المشاركين في "مؤتمر الثورات والانتقال إلى الديمقراطية" الذي نظمه مركز دراسات الوحدة العربية والمعهد السويدي في الإسكندرية في مدينة الحمامات التونسية في بداية سنة 2012، إن حكومة تونس تريد الفصل بين علاقات تونس بالغرب والموقف من إسرائيل. ورداً على سؤال للصحفي محمد نور الدين اللبناني، والقريب من حزب الله، عن موقفه من الاعتراف بإسرائيل، قال الغنوشي إنه لا يوجد خلاف بين الحركات الإسلامية على أن فلسطين هي القضية المركزية. وأضاف "لن نعترف أبداً لا بالاحتلال ولا بالكيان. ولا داعي للغرابة، ففلسطين موضع إجماع كل الإسلاميين والقوميين".