11 سبتمبر 2025

تسجيل

نفوس عظيمة

16 أبريل 2020

أعجبني موقف يرويه نيلسون مانديلا، رئيس جنوب إفريقيا السابق في إحدى مذكراته قائلاً: بعد أن أصبحت رئيساً، طلب من بعض أفراد حمايتي التجوال معي داخل المدينة مترجلين، فدخلنا أحد المطاعم، فجلسنا في أماكننا وطلب كل منا ما يريده من طعام،في الوقت الذي كنا ننتظر العامل أن يحضر لنا الطعام وقع بصري على شخص جالس قبالتي ينتظر بدوره ما طلبه. قلت لأحد أفراد حمايتي: "اذهب إلى ذلك الرجل واطلب منه أن يأتي ويشاركنا الأكل على طاولتنا." جاء الرجل فأجلسته بجانبي وبدأ كل منا في تناول غذائه، كان العرق يتصبب من جبينه ويده ترتجف لا تقوى على إيصال الطعام إلى فمه، بعد أن فرغ الجميع من الأكل وذهب الرجل في حال سبيله، قال لي حارسي الشخصي: "الرجل الذي كان بيننا تظهر عليه علامات المرض فقد كانت يداه ترتجفان ولم يستطع الأكل إلا الشيء القليل". فأجبته: "لا... أبدا، ليس مريضاً كما ظننت، هذا الرجل كان حارسا للسجن الانفرادي الذي كنت أقبع فيه، و في أغلب الأحيان وبعد التعذيب الذي يمارس علي، كنت أصرخ وأطلب قليلا من الماء، فيأتي هذا الرجل ويقوم بالتبول على رأسي في كل مرة، لذلك كان يرتعد خوفا من أن أعامله بنفس ما كان يفعل معي فأقوم بتعذيبه أو بسجنه لكن ليست هذه أخلاقي فعقلية الثأر لا تبني دولة في حين عقلية التسامح تبني أمما." فإذا ما أمعنا التفكير طويلاً في مقولة مانديلا أعلاه، وما كانت عليه دولة جنوب إفريقيا آن ذاك بسبب التمييز العنصري الذي أدى إلى إراقة الكثير من الدماء تزامناً مع المزيد من التنكيل والقمع الذي عزز حالة من الشر والغضب والعنف والتخلف في المجتمع ولكن بعد المصالحات ومسامحات التي استغرقت الكثير من الوقت والجهد والقوة والإرادة من أجل الانتصار على العنف، والتخلص من العقلية الثأرية والرد بالمثل والتي لا تؤدي بالنهاية إلا إلى المزيد من الحروب و الخراب والدمار والتطرف الذي يعطل بدوره من بناء الدول والأمم والمجتمعات. فإن امتلاك مثل هذه العقلية الثأرية ولو كانت محقة في بعض الأحيان والحالات إلا أنها سوف تضمحل مع مرور الوقت كرد فعل طبيعي، واستجابة مطلوبة بعد امتلاك الرغبة الحقيقية والإرادة القوية في التسامح بين الأفراد، وبناء صفحة جديدة تخلو تماماً من العنف والكراهية و رفض الآخر، وأن يكون تقبل اختلاف الآراء بداية صحيحة من أجل تطور المجتمعات وبناء دول ذات سيادة أقوى. خاطرة،،، نحتاج إلى المزيد من الوعي حيال ثقافة التسامح مع من أساء لنا وأن عدم الرد بالمثل ليس ضعفاً أو خوفاً بل إنما لزيادة ثقتنا في أنفسنا وزيادتنا قوة وشموخاً، فيضعف من أمامنا ولا يستطيع أن يعاود الكرة في أذيتنا مرة أخرى ولربما يتحول في كثير من الأحيان إلى صديق أو شخص مخلص غير مؤذٍ فما جزاء الإحسان إلا الإحسان. [email protected]