11 سبتمبر 2025

تسجيل

حصار قطر.. الدولة الصغيرة ترد على الأزمة

16 أبريل 2018

تَكَشَّف التزام قطر بسياسة خارجية طموحة وذات أبعاد متعددة، خلال ثورات الربيع العربي والفترة التي تلتها، عبر الكمِّ المتزايد من المقالات والدراسات المنشورة حول دولة قطر، والتي ركَّزت على تحولها إلى لاعب استراتيجي خارج حدود بلاده. وبغض النظر عن خوض تلك الأدبيات في التوترات القائمة بين دولة قطر وبين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وتحليل أسبابها وأبعادها، فإن كل تلك الأدبيات فشلت في التنبؤ بتحول قطر سريعًا إلى هدف لهجوم دبلوماسي واقتصادي غير مسبوق من قبل تلك البلدان الثلاثة التي طالما كانت شريكة في منظومة مجلس التعاون الخليجي، مدعومة في ذلك من طرف مصر ومجموعة محدودة من بلدان عربية وإسلامية صغيرة.   يبدو التباين في الحجم والمقدرات صارخًا بين دولة قطر والتحالف الرباعي المناوئ لها، والمؤلف من كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين. فتعداد سكان دول رباعي المقاطعة مجتمعة يعادل 55 ضعف تعداد سكان قطر (137 مليون نسمة مقابل 2.5 مليون)؛ وتبلغ المساحة الجغرافية لدول التحالف مجتمعة ضعف مساحة دولة قطر بما يعادل 279 ضعفًا (3.234 مليون كيلومتر مربع نظير 11.567 كيلومتر مربع فقط)؛ أما ما تنفقه دول التحالف على التسلح العسكري، وفقًا لمؤشرات عام 2015، فيبلغ 16 ضعف ما تنفقه قطر (112.871 مليار دولار نظير 7 مليارات دولار)؛ هذا في حين يبلغ إجمالي الناتج القومي لدول الحصار الأربعة، وفقًا لمؤشرات العام 2015 أيضًا، 11 ضعفًا مقارنة بدولة قطر أي بواقع (3.49 تريليون دولار مقابل 309 مليارات دولار).   أكدت قطر، خلال الأشهر الأولى من الأزمة، أنها كانت بارعة في مراكمة فائضها من المصادر المالية التي حصدتها من عائدات بيع الغاز من أجل تحقيق أهدافها الإستراتيجية. وتشمل تلك الأهداف استيراد المواد الحيوية، وفتح طرق تجارية جديدة، ومواصلة تحليق طائراتها في الأجواء الدولية عبر تأكيد استمرار عمل شركة الطيران القطرية. في ذات الوقت، وظَّفت قطر ثروتها المالية لتمويل اتفاقيات ضخمة مع شركاء خارجيين، كما وثقت أيضًا علاقاتها الثنائية. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن قطر أمضت في العام 2017 اتفاقية مع المملكة المتحدة لشراء 24 مقاتلة من نوع "تايفون" بقيمة قُدِّرت بثلاثة مليارات من الدولارات؛ وفي السنة نفسها أمضت اتفاقًا آخر مع فرنسا لشراء طائرات مقاتلة ومدرعات وأنظمة أسلحة متطورة وأنظمة بنى تحتية مدنية بقيمة إجمالية تقدر بـأربعة عشر مليار دولار.   بالإضافة إلى كل تلك المساعي، أثبتت قطر أيضًا وبوضوح أنه في الوقت الذي تُعتبر فيه القوة العسكرية شديدة الحيوية بالنسبة للأمن القومي، فإن التوظيف الذكي للقوة الاقتصادية يمكنه أيضًا لعب دور مهم في المساهمة في تأمين استقرار الدولة الصغيرة خلال فترات الأزمات. كل هذا تم استكماله ودعمه عبر مستويات غير مسبوقة من الوحدة والتماسك الاجتماعي. وقد أوضح كل من كامبل وهال أن الدول الصغيرة المتجانسة ثقافيًّا، والتي لدى شعبها شعور قوي بالانتماء للهوية الوطنية، تتمتع بمزايا مؤسسية من شأنها، في المنظور البعيد، تعزيز أدائها على المستوى الاجتماعي-الاقتصادي. فمثل هذه الدول يمكنها، على وجه الخصوص، تنسيق سياسات تسمح بـ"التعاون، وتقديم التضحيات والمناورة المرنة وتضافر جهود الدولة من أجل تحقيق المصلحة الوطنية". وهكذا، فإن كل ما حدث في قطر على المستوى الداخلي منذ تفجر الأزمة، يؤكد أن قوة الدولة قد تُستمد من عوامل أخرى غير الموارد المادية.   في شهر يناير من العام 2018، وأمام المشاركين في أول نسخة من جلسات الحوار الاستراتيجي السنوي الأميركي-القطري في واشنطن، اعترف جيمس ماتيس، القائد السابق لقيادة المنطقة الوسطى ووزير الدفاع الأميركي الحالي، بأهمية القواعد العسكرية الأميركية في قطر في دعم القدرات القتالية لقوات القيادة الوسطى. ثم في شهر مارس من نفس العام، أدلى الجنرال جوزيف فوتيل، القائد الحالي للقيادة الوسطى، بشهادة مكتوبة أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ أثنى فيها على ما قدمته دولة قطر على امتداد عقدين من الزمن من "تأمين الوصول إلى كامل الإقليم عبر القواعد العسكرية وإتاحة حرية الحركة اللذين لا يقدران بثمن".   أثبت نجاح الدوحة المستمر في مواءمة سياستها الخارجية مع أجندة واشنطن الدفاعية في الإقليم، خلال العقدين الأخيرين، أنه كان مجديًا لدولة قطر من خلال إبراز جدواه لواشنطن. فمسألة القواعد العسكرية تُبرز إلى أي مدى تستطيع دولة صغيرة تبني خيارات إستراتيجية بعيدة المدى تساعدها على تجاوز القيود الهيكلية إذا ما مرَّت بفترات هشاشة. لا شك في أن هذا يناقض الادعاء الذي تقدم به روثشتاين القائل بأن الدول الصغيرة تميل إلى إهمال التخطيط بعيد المدى بهدف تأمين الاستقرار الداخلي قصير المدى. ولا يقل أهمية، في هذا السياق، ذلك التحدي الذي رفعه الرد القطري على الحصار المفروض عليها منذ يونيو 2017 في وجه حُجَّة الكاتب "إيست" بأن الدول الصغيرة إنما هي في الأساس كيانات سياسية تعتمد سلوك رد الفعل، هذا إن لم تكن خاملة أصلًا. في حين يعد رفض قادة قطر اعتبار "صغر الحجم" قيدًا على حركتهم تأكيدًا للحجج الواردة في الأدبيات السياسية بأن نظرة الدولة لنفسها وحجمها ومحيطها هي نظرة ذاتية بل وقد يكون محددًا مهمًّا في كيفية تصرف الدول الصغيرة داخل المنظومة الدولية. وبتصرفها وفقًا لهذا المنطق، تحدَّت دولة قطر، خلال الأزمة التي تعيشها، قانون "فيتال" الشهير القائل بأن "الضعف هو القاسم المشترك والموقف الطبيعي السائد في طريقة تصور الدولة الصغيرة لذاتها".