13 سبتمبر 2025

تسجيل

دروس مستقاة من الفشل

16 أبريل 2014

هل كل ما يجري في مصر سيئ؟ ليس بالضرورة، فالحاصل أن التجربة المصرية قد تحولت إلى نموذج تحرص العديد من الدول على أن تستقي منه الدروس كيما لا يتكرر لديها. فالإطاحة بالإسلاميين المنتخبين من السلطة عبر انقلاب عسكري مدعوم علمانيا قد حفز الجماهير المؤيدة لتيار الإسلام السياسي في هذه الدول لأن تأخذ حذرها، وتتكتل خلف مؤيديها، حتى لا تترك أي ثغرة يمكن من خلالها تنفيذ ثورة مضادة مشابهة لتلك التي جرت في مصر. وذلك من خلال إعطاء الإسلاميين الفرصة ودعمهم انتخابيا واجتماعيا وبخاصة في الحالات التي يتعرض حكمهم فيها لهزات قوية داخلية وخارجية.ففي التاسع من أبريل الجاري جرت الانتخابات التشريعية في كبرى الدول الإسلامية على الإطلاق، إندونيسيا ذات الـ 200 مليون مسلم، ورغم أن النتائج الرسمية لم يتم الإفصاح عنها بعد، إلا أن المؤشرات الأولية تؤكد حصول الأحزاب الإسلامية على ما يقارب ثلث أصوات الناخبين. وكانت تقديرات متشائمة قد توقعت أن يتراجع نصيب الإسلاميين من الأصوات في انتخابات هذا العام مقارنة بانتخابات عام 2009، إلا أن الناخبين الإندونيسيين كان لهم رأى مختلف، وحشدوا أصواتهم لصالح الأحزاب الإسلامية، متأثرين في أغلب الظن بما جرى في مصر من انتكاسة سياسية. الأمر نفسه تكرر في تركيا حيث تمكن حزب العدالة والتنمية الحاكم من تحقيق أغلبية ساحقة في الانتخابات المحلية، وذلك رغم حملة الداعية السلبية التي حاولت دفعه للسقوط، وحالة الاحتفاء الإعلامي الغربي والشرقي بمظاهرات ميدان تقسيم، التي صورها المحرضون على أنها المسمار الأخير في نعش النظام الحاكم. إلا أن الجماهير المؤيدة للحزب استوعب الصدمة المصرية، وبذلت كل جهدها للرد بشكل عملي على محاولات الانقلاب المستترة، وساندت حزبها على نحو أوقف خصومه عند حدهم. في كلتا الحالتين كانت التجربة المصرية كامنة في الخلفية، حيث استفاد الناخبون من دروس الفشل التي حملتها وأدركوا أنهم إن لم يدعموا خياراتهم على نحو حاسم فإن شبح الانقلابات ربما يظهر لهم في الأفق. هذا عن الدرس الكبير الذي استفادته هذه الدول، أما الدروس التفصيلية التي حملتها التجربة المصرية فسنستعرض بعضها فيما يلي. الدرس الأول أن الانقلابات تعد بالمستحيل ولكنها لا تتمخض إلا عن أقل القليل، فبعد أكثر من ثمانية أشهر على الانقلاب الذي قام "لأن الأمن لم يرجع، ولأن الفقراء لم يراعوا، ولأن الاقتراض الخارجي قد ازداد، ولأن حق الشهداء لم يؤخذ، ولأن الاقتصاد لم يتحسن، ولأن التبعية للخارج لم تنتهي، (كما نصت استمارة تمرد الشهيرة)، لم يتغير الوضع إلا للأسوأ، ولم ينجح الانقلاب في تحقيق أيا مما وعد به الناس، وأصبحت البلاد قاب قوسين من انهيار اقتصادي كامل، بعد أن صارت طاردة للمستثمرين، بفعل أجواء عدم الاستقرار السياسي بها.الدرس الثاني أن الانقلاب هو مغامرة صفرية لا تسمح بوجود الآخر المختلف، ولا يمكنها أن تتعايش مع المعارض،. فبقاء الانقلاب رهن باستبعاد المختلفين معه، واستمراره رهن بإنكار حق معارضيه في الوجود. ومن هنا فإن اللغط السياسي حول مدى استعداد نظام 3 يوليو لقبول الآخر والتسامح معه لا معنى له، خاصة في ضوء الفاتورة الضخمة التي يتعين عليه أن يسددها قبل أي حديث عن التعددية والقبول بالآخر. حيث تسبب هذا النظام في سقوط آلاف القتلى واعتقال عشرات الآلاف، واستخدم نهجا إقصائيا دمويا، ولا يوجد ما يوحي بأنه على استعداد للإقلاع عنه في المستقبل.الدرس الثالث أن الانقلابات هي ردة عن الوعي وتراجع في مستوى التفكير وانحطاط في الملكات الذهنية للشعوب التي تبتلى بها، فبعد تاريخ الثالث من يوليو دخلت البلاد في حالة من أحادية التفكير التي لم تعرفها منذ الخمسينيات، وتحول الإعلام إلى بوق دعائي يردد ما يريده الطرف الأقوى، وعادت ظاهرة الأغاني الممجدة للقائد، الممتدحة لعبقريته، الهائمة في عشقه. هذه الظواهر لم تتجاوزها الحضارة الحديثة فقط، وإنما تجاوزها العقل البشري نفسه، الذي ما عاد يستسيغ فكرة السوبر مان، ولكن الانقلاب أعاد القصص الخرافية إلى الحياة مرة أخرى، ومسخ أتباعه لكي يعاودوا الاعتقاد في قدرات المستبدين الاستثنائية.الدرس الرابع أن الإعلام هو كلمة السر في الثورات المضادة، فقد ركب على ظهر ثورة يناير ودمرها، وأطاح برئيسها المنتخب بعد أن اغتاله معنوياً، وجعل منه رمزا للفشل، ونسب إليه كل الكوارث التي عانت منها البلاد، واقتحم عقول الناس وزيف وعيهم وخلق لهم عدوا وهميا من فصيل كان حتى الأمس طرفا شرعيا في الحياة السياسية، ومهد الأرض أمام عناصر كان الناس يعتبرونها من أركان النظام الذي قامت ضده الثورة، وصنع صورة البطل لشخص لم يكن معلوما قبل شهور قليلة، كل هذا بأسلوب القوة الناعمة التي تخلط الباطل بالباطل، ثم تزينه بصورة الحق.الدرس الأخير أن الانقلابات تصنع الخوف وتحوله إلى واقع، وتجعل من أخبار الاضطهاد والتعذيب زادا يوميا يفاقم من إحساس الناس بالإحباط، وينسف الروح المعنوية لدى الراغبين في التغيير أو المتطلعين إلى الأفضل. فالانقلاب لا يراهن فقط على قوته الباطشة لضمان البقاء، ولكن على اقتناع الناس بأنه ليس لديه حدود في ممارسته للعنف، وأنه لا يرتدع عن أي ممارسات من شأنها أن تحمي استمراره، فمن شأن هذا المناخ أن يردع أي أحد عن التفكير في مقاومته أو محاولة التصدي له.الاستفادة من هذه الدروس وغيرها، لضمان عدم تكرارها في أماكن أخرى هي الإيجابية الوحيدة فيما يتعلق بالشأن المصري، إن جاز أن نعتبر أن في الوضع المصري الحالي أي إيجابيات على الإطلاق.