23 سبتمبر 2025
تسجيللم يسبق للمسؤولين الإيرانيين أن "تفقدوا" أياً من الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران وتسعى إلى ابتلاعها. فلماذا اختار محمود أحمدي نجاد أن يقصد جزيرة أبوموسى، ولماذا في هذا التوقيت تحديداً؟ الجواب ببساطة: للاستفزاز. أما التوقيت فهو عشية مفاوضات إيران مع مجموعة الدول الـ 5+1 في اسطنبول، وليس على جدول أعمالها سوى ملف البرنامج النووي الإيراني بقديمه ومستجداته، وبالمعروف عنه وما لا يزال سرياً، لكن إيران تريد توسيع إطار التفاوض ليشمل "الوضع الإقليمي"، الذي تعتبر انها تستطيع المساهمة في إدارته مع الدول الكبرى. لا يمكن لطهران أن تقدم خطوة نجاد بأنها بادرة حسن نية تجاه دول الخليج عموما ودولة الإمارات خصوصا، فهي تناقض التصريحات المعسولة التي دأب وزير خارجيتها علي أكبر صالحي على إطلاقها منذ تعيينه أواخر عام 2010م، فما دامت أبوظبي كررت أكثر من مرة أنها تريد حلاً سلمياً ودبلوماسياً للنزاع على الجزر، وطالما أنها أبدت استعدادها لمختلف السيناريوهات بما فيها التحكيم الدولي، فلماذا فضلت إيران دائماً التسويف والتهرب من أي حل، الأرجح لأنها تريد لاحتلالها الجزر أن يصبح أمرا واقعا تفرضه بالقوة كما تفعل عادة في مجمل سياساتها "الإقليمية" التي تبحث عن استثمارها أو مقايضتها عند الحاجة لحماية برنامجها النووي. لا شك أن الجدال الذي ثار بعد زيارة نجاد لجزيرة أبوموسى حقق هدفه منها، إذ أن وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، وهو من المحاورين المألوفين إيرانياً، احتج على الزيارة واعتبرها "انتهاكا صارخا لسيادة الإمارات على أراضيها"، ورد عليه مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان مؤكداً سيادة إيران "التاريخية والأبدية" على الجزر الثلاث، علماً بأن الوقائع تبين أن هذه الادعاءات تقترب بمصطلحاتها من الادعاءات الإسرائيلية بشأن الأراضي الفلسطينية، ولا سيما القدس، بما في ذلك الذهاب إلى وصف السيادة بأنها "أبدية"، وإذا المقصود بـ "الأبد"، هنا هو دوام الاحتلال، فإن ادعاء "تاريخية" السيادة هو التزوير الذي ينبغي تفحصه، باعتبار أن إيران استولت على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى في ظروف لا تعطيها أي حق بل تبقي وجودها فيها موضع نزاع ينبغي حله وفقا للقوانين الدولية. يستدل من تصريحات الوزير عبدالله بن زايد، وكذلك من بياني المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، أولاً أن ثمة اتفاقا بين الدولتين على "تجنب التصعيد لتهيئة الأجواء لحل يعزز الأمن والاستقرار" في المنطقة، وثانياً أن خطوة نجاد نقض لكل الجهود والمحاولات التي تبذل لإيجاد تسوية سلمية لإنهاء الاحتلال الإيراني، للجزر، وأخيراً ان الاستفزاز الإيراني لا يتماشى أبدا مع سياسة حسن الجوار التي تنتهجها دول مجلس التعاون في التعامل مع إيران، ماذا تعني ردود الفعل هذه؟ انها تعني خصوصاً أن تفاهما خليجيا-إماراتيا- إيرانياً ترتب على مدى الأعوام الماضية لتحييد ملف الجزر عن صراعات ايران مع الدول الغربية وعدم استخدامه في الخلافات الثنائية أو الإقليمية، وبالتالي فإن طهران نقضت هذا التفاهم الذي اكتفت الإمارات ودول الخليج، بموجبه، أن تبقى قضية الجزر على جدول أعمالها من دون تحريك إلا وفقاً لتوجهات أصحابها الإماراتيين الذين حسموا أمرهم باتباع المساعي السلمية، إما المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية. لكن الإيرانيين تجنبوا دائماً الخوض في أي من الخيارات المطروحة، وإن أبدوا خلال لقاءاتهم مع الإماراتيين تجنيداً للنهج السلمي هذا. والملاحظ انهم على مر الأعوام لم يفوتوا أي مناسبة يشير فيها مجلس التعاون إلى قضية الجزر من دون أن يردوا مستهجنين إثارة الموضوع، وكأنهم توقعوا أن يكون قد طوى أو نسي. فماذا يعني ذلك؟ أنه يعني أن "إماتة" القضية وتركها للزمن هما عنصرا السياسة الإيرانية حيال الجزر الإماراتية المتنازع عليها، وفي إطار هذه السياسة جرى إهمال الدعوات إلى التفاوض الثنائي أو التحكيم الدولي، فعندما تنتفي الرغبة في الحل لا يمكن توقع إرادة سياسية للبحث عنه. عدا أن طهران تفوت فرصة تاريخية للقيام بخطوة ضرورية لبناء الثقة مع دول الجوار، فإنها تؤكد أيضا لدول الخليج وشعوبها كل ما استبطنوه عن سياسة الاستعلاء الإيرانية التي حالت دائما دون نشوء علاقات طبيعية بين دول المنطقة، فهذه السياسة الثابتة أياً يكون الحكم القائم في إيران لم تشأ أن تعترف بالمتغيرات، ومن أهمها أن دول الخليج العربية لم تعد كما كانت في عهد الشاه أو في بدايات عهد "الجمهورية الإسلامية" ثم أن مفاهيم العلاقات والسياسة وإدارة الاقتصاد تغيرت بدورها، كذلك مفاهيم القوة والضعف، ولو شاءت إيران المساهمة في بناء نمط جديد منفتح، تنموي وتعاوني، من العلاقات مع جيرانها لوجدت كل ترحيب، فمفتاح سياسات الخليج هو الحفاظ على الاستقرار لا السعي الدائم إلى التوتير. ثمة بعد آخر للاستفزاز الإيراني من خلال تحريك الخلاف على الجزر، وهو يتعلق بالمواجهة التي تخوضها طهران مع دول الغرب بشأن العقوبات النفطية والمصرفية التي فرضت عليها. فبعد التهديد بإغلاق مضيق هرمز الذي أدرك الإيرانيون أنه لن يكون في مصلحتهم، كما أنه سيثير العالم عليهم، ها هم يلتفتون إلى "الأوراق"، الأخرى التي يمكن تحريكها لتصعيد هذه المواجهة ثم ان القلق والضيق من تطورات الأزمة السورية يدفعانهم إلى افتعال مبادرات مكشوفة وغير موفقة من قبيل الزيارة التفقدية لجزيرة أبوموسى، وقد اعتبر مساعد وزير الخارجية الإيراني ردود الفعل عليها مجرد "سوء فهم محتمل".