13 سبتمبر 2025

تسجيل

أيها الشباب.. تعالوا بنا نستعرض مبادئ الإيثار في عقائدنا

16 أبريل 2012

قال صاحبي وهو يحاورني: هل الإنسان أناني يحب نفسه ويؤثر مصلحته على مصلحة غيره؟ أم هو غيري يؤثر الناس على نفسه ويقدم مصلحتهم على مصلحته؟ قلت: هذا بحث يستغرق كثيراً من الوقت وكثيراً من صفحات علم الاجتماع والتربية وعلم النفس، ولكن يكاد يتفق أكثر العلماء على أن الإنسان في طبيعته الإثرة، وأنه ينظر إلى مصالح الناس من خلال مصلحة نفسه. إننا مدينون في الاستمتاع ونعمة الكهرباء والسيارة والطيارة والمذياع والتلفاز لأولئك العلماء الذين عكفوا السنوات الطوال مغمورين في معاملهم يواصلون جهد الليل بجهد النهار حتى أصبحوا يمنحون الإنسانية نتاج جهدهم وعنائهم راحة وثقافة وصحة ينعم بها آلاف الملايين من البشر. ونحن مدينون في لذة المعرفة والعلم إلى أولئك المؤلفين من الأدباء والعلماء والمفسرين والفلاسفة الذين عكفوا على أوراقهم يملؤونها علما وحكمة، بينما يغرق الناس في غفلتهم وشهواتهم. ونحن مدينون في الاستفادة من تربة الوطن وخيراته ومؤسساته لأولئك الأجداد والآباء الذين عمروه بجهودهم وميراثهم، وفدوه بدمائهم وأرواحهم حتى أوصلوه إلينا عزيزا كريما. ونحن مدينون في عقائدنا وأدياننا، التي نعتز بها ونتحدث بنعمة الله علينا في هدايتها وآدابها، لذلك السلف الصالح الذين تحملوا في بداية الدعوة أصنافا من الأذى والحرمان. والآن يا أبنائي الشباب، يا مناط الأمل، تعالوا بنا نستعرض مبادئ الإيثار في عقائدنا، لما هاجر رسولنا صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، إذ جعل لكل أخ أنصاري أخا مهاجرا، فكان الأنصاري يأتي بأخيه المهاجر إلى بيته فيقسم كل ما فيه بينه وبين أخيه، يقول الله تعالى في وصف عباده الذين يعملون الخير لا رغبة في ثناء ولا طمعا في مكافأة: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)، "الإنسان: 8-9". ولما أصاب الناس هول المجاعات في عهد عمر جاءته قافلة من مصر تحمل اللحم والسمن والطعام والكساء، وزعها عمر بنفسه على الناس، وأبى أن يأكل منها شيئا، بل كان طعامه وطعام ضيفه كسرات من الخبز الأسود مع صحن من الزيت. أرأيتم معشر الشباب أبلغ من هذا الإيثار؟ إن التاريخ ليحدثنا عما صنع النساء في عهد قطز أثناء هجوم المغول على مصر من ضروب البذل والفداء حتى قدمن حليهن ليساهمن في صد المغول وفي أثناء الثورة العرابية صنع نساء مصر من ضروب العطاء والفداء وقدمن كل ما لديهن من الحلى خاصة بعد مجيء الأسطول البريطاني مياه الاسكندرية وعدوانه على المدينة، وجدير بالذكر أن نساء العائلة الخديوية كن ضمن المتبرعات بالحلى لمساندة عرابي ضد الانجليز. وقل مثل هذا عما صنع نساء باريس في حرب السبعين من تضحيات وبذل الغالي والنفيس حتى قدمن حليهن إسهاما منهن في الغرامة التي فرضها الألمان على سكان باريس ثمنا لفك الحصار عنها. وكان موقف نساء باريس مثلا طيبا للفداء والإيثار.. فهل يبلغ هذا في روعته إيثار نساء المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إذ وقف من يحثهن على البذل والصدقة، فلم تبق امرأة تتحلى بشيء من الحلى إلا رمته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لينفقه في وجوه الخير.. إن البذل في الحرب لدفع هجوم العدو أمر يستحق الثناء، ولكن البذل في أيام السلم رغبة في عمل الخير وثواب الله، يستحق أكثر من الثناء والإجلال. لا جرم أن النساء اللاتي جدن بحليهن في زمن السلم، أبقى وأخلد من النساء اللاتي جدن بحليهن في زمن الحرب. هذا وبالله التوفيق.