23 سبتمبر 2025
تسجيليقول المثل العربي المعروف: من جرب المجرب كان عقله مخربا، فهل يصح ذلك على النظام السوري في تعاطيه الدموي مع الشعب ونكوصه عن أي تعهد قام به لإيقاف العنف الوحشي منذ تفجر الثورة المجيدة ضده أم لا؟ إن الوساطة التركية والوساطة القطرية بداية ثم الجامعة العربية بجهودها المتواصلة مؤخراً لم تفلح في لجم القتلة أبدا واستمرت المماطلة والمراوغة كي تخدع بعض العالم بالكذب وتزييف الحقائق رغم وجود المراقبين وقتها ولكن هل يمكن لتلبيس إبليس أن يضحك على عقول الناس جميعاً في هذا العالم، وخصوصا بعد افتضاح خبث النظام وخوضه في الجرائم ضد الإنسانية على امتداد التراب الوطني سيما في حمص والمناطق الأكثر سخونة في الصراع، لقد جاءت مبادرة عنان بنقاطها الست التي أسهمت بمهلتها لسفك دماء زكية زادت على المائة شهيد يومياً إلى أن تبنى مجلس الأمن مشروع القرار الأمريكي بالإجماع لإرسال مراقبين دوليين إلى سورية للعمل على إيقاف العنف أولا وتطبيق بقية بنود عنان الستة ومع ترحيب المعارضة، بهذا القرار والموافقة على تنفيذه أكد المندوب السوري أن سورية ملتزمة بتنفيذ خطة عنان وإن كانت لا تقتنع بأن القرار جاء متوازنا، ولذلك ولأن كل امرئ راجع يوما لشيمته وإن تخلّق أخلاقا إلى حين فإن ديدن العقرب أن يؤذي دوما وبدأ سقوط الشهداء بالقنص والقصف حتى إطلاق النار على مشيعي الجنازات كما حدث في حلب حيث قتل عشرة منهم السبت الماضي ولذا شككت مندوبة أمريكا في المجلس بنية نظام الأسد وقالت: رغم تراجع سورية عن سياستها القاتلة ظاهريا إلا أن العنف مستمر وهو ما أوضحته المعارضة وأن سحب الأسلحة الثقيلة لم يتم ولم يسمح بالتظاهر السلمي بل قوبل بقتل المتظاهرين، إذاً نكرر السؤال هل سيكتب النجاح لمهمة عنان مستقبلاً أم أن حليمة تعود دوما إلى عاداتها القديمة وتضحك ساخرة من الأسرة الدولية برمتها وإلى متى سيبقى المجتمع الدولي على صبر أمرّ من الصبر وحمام الدم ما يزال جاريا طبعا هذا إذا أحسنا الظن، وإلا فقد نذهب إلى ما يذهب إليه كثيرون من المراقبين والمحللين أن الحراك الدولي قائم على التآمر المؤكد ضد الثورة غالبا وأن مصالح الكبار هي الحاكم الحقيقي في الأزمة السورية وليس المبادئ والشعارات المرفوعة لنشر الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان وكل يتدخل بطريقته الناعمة أو الخشنة، ولكن المهم هو تحقيق الهدف لانتصاف المظلوم من الظالم، ونذهب بيقين إلى أن المجتمع الدولي متهاون بشكل أو بآخر في هذا الشأن، والشعب السوري الثائر بكل تضحية لا نود أن يبقى مصطفاً كالأيتام على موائد اللئام ولا نود أن يسرع العالم لإنقاذه ببطء كبطء السلحفاة وهكذا لا نرضى أن نلدغ من جحر مرتين، والمجتمع الدولي أمام محك الإخلاص إزاء المشهد السوري فإذا لم ينجح في الاختبار فإنه يكون قد اقترف حماقات لا تقل إن لم تزد على حماقات النظام القاتل وأولاها التناقض بين القول والفعل وعدم الارتقاء في المعالجة إلى سقف التضحيات العالي في الداخل السوري ولذلك فيجب ألا نعول كثيراً على مبادرة عنان التي سيدركها الإخفاق في بصيرة كل من يعرف تركيبة النظام البنيوية وتأسيسه الطائفي البغيض وهو ما سينقلنا إلى المرحلة الأخيرة التي تؤكد اعتمادنا على أنفسنا ما استطعنا وإن اضطررنا إلى مساندة من الغير دون احتلال أو شروط تبلع السيادة وقد أفلح الطغرائي حيث يقول: وإنما رجل الدنيا وواحدها من لا يعوّل في الدنيا على أحد وأن المخرج الطارئ إنما هو بواقع الضرورة التي تبيح المحظورة على قاعدة القرآن: (إلا ما اضطررتم إليه)، "الأنعام: 119"، ومن هنا فإننا يجب أن نسمع ونطيع من يحذرنا من الانزلاق على حد تعبير علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من حذرك كمن بشرك، أي: لتعرف كيف ومتى تسير مستقيما ولتكشف حركة الحية تحت التبن! كما هو مسلك النظام السوري وأيضا للتنبه بعدم الهروب من المطر بل بحمل المظلات والمماطر لتجنبه كما قال أناتول فرانس، وعندنا نحن العرب: إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب وكقول الشاعر: توق الأذى من كل نذل وساقط فكم قد تأذى بالأرازل سيد ولماذا يا ترى أليس لأن الذوق السيئ يقود إلى الجريمة كما قال دوماريست، وهو ما نراه في سوء المزاج عند شخصيات النظام وخصوصا الطائفيين والأبواق التي تتحدث باسمهم، ولذلك لابد من تعرية هؤلاء وفضحهم بسوء أعمالهم داخليا وخارجيا، ولابد من تبيين خطتهم لتقسيم سورية بعد أن تفشل قبضتهم ببسط السيطرة عليها فيقومون بإعلان الدولة العلوية في الساحل ليقلبوا الطاولة على الجميع وقد نقل وزير الخارجية البريطاني هذه الخطة لأوباما الشهر الماضي وأطلع بعض البلاد الأوروبية عليها، وكتب في الشهرين الأخيرين مقالات عديدة في هذا المضمار، ولذلك لا تستغربوا أن بشار يقول: لا سبيل إلى التنحي ويقتل ويقتل ويقتل ليأخذ ثأره ثم ينفصل ولا أحد يستطيع محاسبته كما يزعم وهو المربع نفسه الذي صب فيه نوري المالكي حيث أكد أن نظام الأسد لم يسقط ولن يسقط ولماذا يسقط؟ وكذلك تصريحات حسن نصر الله وتصريحات لافروف وزير الخارجية الروسي بالخوف من تسلم السنة مقاليد الحكم في سوريا ولا ريب أن إسرائيل هي أول مبارك لهذه الخطة بل عرضت عدة مرات ومازالت لجوء العلويين إليها للحماية! وبالمقابل فلابد أن نعتبر أن موافقة المجلس الوطني السوري على قرار المراقبين وإيقاف العنف التزام لا وجهان له وأن الجيش الحر لن يخرق أي اتفاق ما لم تخرقه السلطة فيضطر للدفاع عن المدنيين وممتلكاتهم ونحن مع نصيحتنا لهذا المجلس أن يوسع مشاركات المعارضة المخلصة ويصلح من أخطائه إلا أننا في مقابل بربرية النظام لابد لنا من دعمه ونصحه وتقويمه وتسديده بعد الاعتراف به ممثلاً شرعياً رئيساً للمعارضة، إلا أن ما يأخذ قمة الأولويات في المشهد هو الشعب البطل الثائر فلابد من دعمه وتثبيته لاستمرار حراك المظاهرات وتطوير آلياتها والتركيز على تعاونه مع بعضه فهو واحد أمام الانتهازيين وهو الذي يسعى إلى الحرية والكرامة الحقيقية لبناء دولة المواطنة والتعددية والقانون.. إذا كان أصلي من تراب فكلها بلادي وكل العالمين أقاربي وكما يقول زينون: نحن جميعا نجذّف في القارب نفسه. والتعاون قانون الله والطبيعة وكما يقال: فاليد تغسل الأخرى والاثنتان تغسلان الوجه وعندما يعمل الناس معا تتحول الجبال إلى ذهب، فباجتماع السواعد يبنى الوطن وباجتماع القلوب تخف المحن وبتوزيع الأدوار يسهل الحمل وتتحقق الغاية. إذا العبء الثقيل توزعته أكف القوم خفّ على الرقاب وكل هذا بعد التوكل على الحق المبين والوثوق به. واشدد يديك بحبل الله معتصما فإنه الركن إن فاتتك أركان وكما يقول هوراسي: إن الواثق بنفسه يقود الآخرين، وهو بذلك يقضي على الاحتيال الذي يقوم به النظام وعلى الاحتلال الذي جعل سورية مزرعة لعائلة وعصابة سلطوية لا تعرف الدولة ولا الدين. وغاية ما تتهم به خصومها هي المؤامرة مع أنهم أول المتآمرين على الشعب ونحن لا يضرنا أي فصيل منه مهما كان دينه وكان محترما له وقد قال ارنولد توينبي: إن ظاهرة التدين هي أعظم ظاهرة بشرية في الوجود وأعمقها تأملا في الكيان الإنساني، فلا علينا معشر الأحبة إلا أن نصبر ونصابر ونصطبر كما قال جاسم بن عوف: لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى فما انقادت الآمال إلا لصابر ولنكن طموحين فإن الطموح لا يشيخ مع متابعة أن يكون الضمير راضيا، فالضمير الحي هو عين الله اليقظة على الأرض، كما قال شكسبير وبعد ذلك لن يكترث شعبنا نجحت مبادرة عنان أم استمر فشلها ولفظت أنفاسها وإن العامل الوحيد عنده هو تصعيد الثورة والضغط الأكثر على المجتمع الدولي كي يعيد حساباته. [email protected]