17 سبتمبر 2025

تسجيل

أردوغان بين مرحلتين

16 أبريل 2011

إذا فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات النيابية المقبلة في 12 يونيو، وهذا مرجح بنسبة 99 في المئة فسيكون رجب طيب أردوغان ثاني رئيس حزب ينتصر في انتخابات ثالثة على التوالي بعد عدنان مندريس في الخمسينيات. وإذا أكمل أردوغان ولايته الثالثة حتى العام 2015 فسيكون أول رئيس حزب يبقى في السلطة 12 سنة متتالية. لكن إنجازات أردوغان في السنوات الثماني التي انقضت لم تكن في حسابات الأرقام على أهمية ذلك، إذ إن أردوغان بنى صورته على أساس أنه الرجل الذي قاد تركيا في الداخل إلى إصلاحات وتحوّلات مهمة على طريق تعزيز الحريات والديموقراطية وفي مقدمها ضرب صورة المؤسسة العسكرية كأداة لا يمكن ردّ قضائها وضرب قدرتها على القيام بدور سياسي مؤثر وصولا إلى الانقلابات العسكرية. كان المجال الاقتصادي أحد أهم إنجازات حكومات أردوغان. والأرقام الاقتصادية التي ظهرت مؤخرا لجهة نسبة نمو تصل إلى تسعة في المئة وتراجع تاريخي في نسبة التضخم وارتفاع الدخل الفردي وما إلى ذلك هي مجرد أمثلة على هذا التقدم. وعلى الصعيد الخارجي أمكن لأردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو والرئيس عبد الله غول أن يغيروا صورة تركيا ودورها من بلد محاط بالأعداء وطرف في محاور إلى بلد مركزي وذي تأثير في القضايا الإقليمية والدولية. اليوم وقبل شهرين من الانتخابات النيابية لا يمكن لأردوغان أن يكتفي بما تحقق، إذ إن ما أنجزه كان موضع شبه إجماع وطني من جهة ورغبة لحزب العدالة التنمية تحديدا. غير أن التحديات التي تواجه الولاية الثالثة لأردوغان تختلف عما واجهه من قبل وتمس ثوابت لدى جمهور تركي واسع من بينه جمهور حزب العدالة والتنمية ليس من السهولة أن يسعى أردوغان لكسر هذه "المحرمات". أولى هذه المشكلات المشكلة الكردية التي لا تزال تستعصي على الحل من جانب كل الحكومات التركية حيث لم تعترف أنقرة حتى الآن بالهوية الثقافية للأكراد لا في الدستور ولا في القوانين ولاسيَّما لجهة التعليم باللغة الكردية في المناطق ذات التواجد الكردي الكثيف. ستكون الانتخابات في المناطق الكردية رسالة إلى جميع الأطراف حتى إذا تراجع نفوذ أردوغان هناك كان عليه التطلع إلى المطالب الكردية وإلا فستتجه تركيا إلى مزيد من التوترات والاضطرابات. كذلك سوف يتعين على أردوغان أن يخرج من دائرة المراوحة والمماطلة في التجاوب مع مطالب الأقليات الأخرى الدينية والمذهبية وهذه ليست بالمشكلة السهلة في ظل تقاليد موروثة لا تزال تؤثر سلبا في متطلبات حل يقوم على احترام الآخر والاعتراف به كما هو خصوصا في بلد نظامه علماني ويفترض أن يقف على مسافة من كل العقائد الإيمانية. ولعل العقدة التي يتطلع أردوغان إلى حلها في ولايته النيابية الجديدة هي مشكلة منع الحجاب في الجامعات. ومع أن جانبا من هذه المشكلة وجد حلا له عبر قرارات مواربة من جانب مجلس التعليم العالي غير أن معظم الجامعات لا تزال ترفض تعميم المجلس وتطلب حلا قانونيا من الأساس. وعلى هذا فإن أمام أردوغان مهمة جديرة بالسعي لتنفيذها وهي إعداد دستور جديد شامل يضع كل هذه المشكلات على طريق الحل. إن دستورا ديموقراطيا ومدنيا يضمن الحريات الفردية والعامة سيكون أيضا جواز مرور لتركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وسيكون على تركيا أن تعيد تقييم سياستها الخارجية التي "إن فلشت" إلى درجة تفيض عن قدرة تركيا على القيام بهذه الأدوار. ومقابل النجاحات التي شهدتها تركيا حتى الأمس القريب فإن ارتباكا وفشلا عانت منه السياسة الخارجية التركية في العديد من الملفات في الآونة الأخيرة من العراق إلى ليبيا ولبنان والبحرين وسوريا، وبدا الحراك التركي الخارجي أحيانا استعراضيا أوقع تركيا في أخطاء وأساء إلى صورتها الوسطية من جهة والقادرة على فكّ العقدة من جهة ثانية خصوصا أن تركيا بنت جزءا من صورتها ودورها على عامل الثقة مع القادة والدول الأخرى وهو ما بدا أنه فقد جزءا من مصداقيته. إن قدرة تركيا على معاظمة دورها قد يكون موضع شك إذا لم تبادر إلى تطوير سياسات خارجية أكثر واقعية وخارج فائض القفز عن حقائق المنطقة. ستكون الولاية الثالثة لأردوغان محطة حاسمة بين مرحلتين أولى ناجحة وثانية موضع مراقبة.