10 سبتمبر 2025
تسجيللو نفرض أن عملا إرهابيا ما، لم يستقطب اهتمام وسائل الإعلام المختلفة ولم يحظ بأية تغطية تذكر، فهذا يعني أن الحدث كأنه لم يكن وبذلك فلا أثر للعمل الإرهابي لا على الناس ولا على الرأي العام المحلي ولا على صانعي القرار والمسئولين والسياسيين ولا على الرأي العام الدولي. فمصير الإرهاب بدون وسائل الإعلام هو التوقف والأفول. فما يريده الإرهابيون من وسائل الإعلام هو الحضور الإعلامي والتغطية الإعلامية التي تركز على الإثارة وعلى نشر الذعر والخوف ونشر حالة من اللا أمن واللا استقرار بين الناس وحثهم على محاولة معرفة ماذا حدث ولماذا حدث وما هي الدوافع والأسباب وما هي المطالب وما هو عدد الضحايا وما هي الخسائر المادية...الخ. فبالنسبة للإرهابيين، الأعمال الإرهابية هي الوسيلة الوحيدة لإثارة اهتمام الناس والرأي العام وصانع القرار حتى يسمع الجميع عنهم ويعرف مشاكلهم وقضاياهم ومطالبهم. الإشكال المطروح هنا أن وسائل الإعلام في العصر الحديث وفي المجتمعات الديمقراطية لا تستطيع أن تقاطع تغطية الأعمال الإرهابية لأن دورها في المجتمع، وعملا بمبدأ حق الجمهور في المعرفة، the public’s right to know هو إخبار وإبلاغ الجمهور والرأي العام بكل الأحداث والوقائع محليا ودوليا. من جهة أخرى، لا تستطيع الدول الديمقراطية أن تتدخل في شؤون وسائل الإعلام وتضغط عليها للعزوف عن تغطية الأعمال الإرهابية وهذا عملا بمبدأ حرية الصحافة. هناك ثلاثة أهداف تعمل على تحقيقها الجماعات الإرهابية من خلال التغطية الإعلامية لأعمالها الإرهابية: أولا الحصول على الاهتمام من خلال نشر الخوف والرعب وعدم الأمن والاستقرار بين الجماهير المستهدفة. وكذلك كشف ضعف وعقم وعدم قدرة الحكومة المستهدفة على حماية مواطنيها من الإرهاب. ثانيا، تهدف الجماعات الإرهابية ومناصروها إلى الحصول على الاعتراف بمطالبها وأطروحاتها وقضاياها. أما الهدف الثالث للجماعات الإرهابية الدولية فهو الحصول على درجة من الاحترام والشرعية في المجتمعات المستهدفة. فيما يتعلق بموضوع الاهتمام فإن أي عمل إرهابي يستقطب اهتمام وسائل الإعلام من جهة، وبدرجة أكثر اهتمام الجمهور من جهة أخرى حيث إنه يصبح أسير وحبيس كل ما تقدمه وسائل الإعلام المختلفة وخاصة المرئية منها عن تفاصيل الحدث الإرهابي. هذه الأخبار والمعلومات تصبح ذات أهمية قصوى بالنسبة للجمهور. من جهة أخرى، تعتبر وسائل الإعلام هي المؤسسات الوحيدة ذات الإمكانيات والقدرات لجمع الحجم الكبير من المعلومات ونشرها في أسرع وقت. هذه المعلومات تكتسي أهمية حيوية وقصوى ليس للجمهور فقط وإنما للمؤسسات الخاصة والعامة. وعندما يصبح الجمهور على دراية بالعمل الإرهابي يصبح يبحث عن المعلومات وتفاصيلها عن طريق الرجوع إلى محطات الإذاعة والتلفزيون والجرائد على مدار الساعة لمعرفة آخر التطورات وآخر التدابير لمواجهة العمل الإرهابي. هذه العلاقة الحميمة بين الجمهور ووسائل الإعلام وهذا الاعتماد على وسائل الإعلام للحصول على آخر المستجدات والمعلومات تؤكده زيادة مبيعات الجرائد والمجلات والإقبال الكبير جدا على مشاهدة القنوات التلفزيونية والاستماع إلى المحطات الإذاعية عندما تنفذ العمليات الإرهابية. إن التغطية الإعلامية التي تحظى بها الأحداث الإرهابية والمقابلات التي تجريها القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية والصحف والمجلات مع قادة الجماعات الإرهابية تقدم خدمة جليلة تتمثل بالاعتراف بهم وبمطالبهم بحيث يصبحون في مرتبة السياسيين وصناع القرار وصناع الأخبار في أوساط الجمهور والرأي العام، وتصبح لديهم علنية وحضور إعلامي وحضور في أذهان وأفكار الناس وفي الرأي العام. وهذا ما يعني أنه ومن خلال تغطيتها للأحداث الإرهابية بطريقة تتسم بالإثارة والإطناب والتفاصيل والسبق الصحفي تقدم وسائل الإعلام الإرهابيين ومطالبهم للرأي العام. فبالوصول إلى وسائل الإعلام وإلى الرأي العام لا يختلف الإرهابي عن رئيس الحزب السياسي أو الوزير أو العضو في البرلمان. حيث إنه يدخل في اتصال مباشر مع الجمهور ويطرح قضيته ورؤيته للأمور ووجهة نظره وحلوله وأفكاره. ومن دون أدنى شك سيجد هناك بين الملايين من يتعاطف معه أو من يشاطره الرأي خاصة من بين أولئك المهمشين أو المحرومين أو الفاشلين في حياتهم. هذه الفئة تثأر لنفسها بمناهضة النظام القائم والسلطة وكل مؤسسات الدولة بالتعاطف مع الإرهابيين، حيث ترى فيهم الوسيلة لتغيير أوضاعها وحل مشاكلها. وسائل الإعلام تعطي إذن الصبغة الإنسانية للجماعات الإرهابية كما تعترف بهم كفاعلين في النظام السياسي لهم قضايا ومشاكل يطرحونها ولهم وجهات نظر وحلول لهذه المشاكل تختلف عن الأطروحات الرسمية للنظام ولمؤسساته المختلفة. يقوم الإرهابيون عادة بالجرائم وأعمال القتل والتخريب وحجز الرهائن الأبرياء وخطف الطائرات للضغط على الحكومات للاستجابة لمطالبهم وأهدافهم، وحتى يصلوا إلى الرأي العام فإنهم يعتمدون على وسائل الإعلام التي تباشر في التهافت على نقل الوقائع والأحداث الإرهابية والتفنن في تضخيم هذه الوقائع. وفي نهاية الأمر نلاحظ أن العملية كلها دعاية ومحاولة الوصول إلى الرأي العام والعلنية والتدويل لرسالة الإرهابيين الذين كانوا يعملون جاهدين على إيصالها للمسئولين والساسة وصناع القرار والرأي العام محليا ودوليا. ونلاحظ هنا أن الإرهابيين يستغلون وسيلة استراتيجية تتمثل في وسائل الإعلام ويستعملونها كوسيلة للتواصل وللتعبير عن مطالبهم وأهدافهم. والإشكالية الصعبة التي تطرح نفسها على وسائل الإعلام هنا ما العمل وما هو الموقف الذي يجب اتخاذه؟ هل يجب القيام بالتغطية وعرض المطالب والأهداف أم مقاطعة التغطية تماما وتجاهل الأعمال الإرهابية، وإذا قامت المؤسسات الإعلامية المحلية بالمقاطعة هل ستتبعها وسائل الإعلام الأجنبية؟ وإذا لم تقم وسائل الإعلام بالتغطية من يضمن عدم تسرب الأخبار خاصة أن الشبكات الاجتماعية والتكنولوجيا الحديثة للاتصال توفر كل السبل والوسائل لتبادل الأخبار والمعلومات بدون المرور بوسائل الإعلام التقليدية. من أهم الانتقادات التي وُجهت لوسائل الإعلام في تعاملها مع الإرهاب أنها أصبحت طرفا مهما في الأعمال الإرهابية وأصبحت طرفا يُستغل لخدمة مصالح وأهداف قد تتعارض تماما مع الرسالة النبيلة للإعلام في المجتمع. فبقوتها وإمكانياتها الاتصالية الهائلة تعطي وسائل الإعلام فرصة ذهبية للإرهابيين للوصول إلى ملايين البشر محليا ودوليا للتعبير عما يريدونه. وسائل الإعلام تصعد الأزمات وتضخمها وتزيد من هلعها وخوفها وقوة أثارها وهذا من شأنه أن يخدم أجندة ومطالب الإرهابيين ويضع ضغوطا كبيرة وقوية على الحكومة للتنازل والتفاوض من مركز ضعف،