12 سبتمبر 2025

تسجيل

المرور يوحدنا خليجيا

16 مارس 2014

انقسمت دول الخليج سياسياً في الظروف الراهنة بينما اجتمعوا في أسبوع المرور الموحد الذي انطلقت فعالياته مؤخراً تحت شعار "غايتنا سلامتك". وحقيقة نحن في كل دول الخليج نخوض حرباً مرورية واسعة سجلت بسببها أرقام مخيفة للحوادث التي راح ضحيتها عشرات الألوف بين وفيات وإعاقات مستديمة تؤثر مباشرة في حياة الأسر ومجمل المجتمعات المحلية ومقدراته. ففي دولنا وحدها يسجل سنوياً قرابة 500 ألف حادث مروري وأكثر من 7 آلاف حالة وفاة وعشرات الألوف من الإصابات الخطيرة المقعدة؛ ورغم تشغيل نظم المراقبة الإلكترونية لضبط حدود السرعة القصوى وفرض الجزاء المالي الرادع على المخالفين لتحقيق بعض الفعالية للحد من السرعة وخفض الحوادث. إلا أن مسلسل الحوادث مستمر ومسبباتها في تنامي مخيف؛ فهناك عدو جديد يحضر في طرقنا الآن يتمثل في حالات الانشغال بالمكالمات الهاتفية وكتابة الرسائل أثناء القيادة وكذلك تصفح المواقع ومشاهدة المقاطع حيث غدت تلك ظاهرة عامة تشاهدها في كل مكان؛ فكثير من الحوادث المرورية الآن سببها هذا الانشغال غير المبرر والذي يصرف اهتمام السائق وتركيزه بعيداً عن مهمة القيادة وظروفها. عموماً الأسبوع المروري الخليجي الموحد موسم جماعي مميز تتوحد فيه كل الجهود نحو تحقيق السلامة المرورية وتكثيف الوعي العام نحوها بكل السبل المتاحة. ومؤخراً صادف أن استمعت عبر الإذاعة لبرنامج جميل يرصد معاناة بعض الأفراد الذين تسببت الحوادث لهم في الإعاقة وكذلك الأسر التي تضررت بسبب فقد عائلها أو أحد أفرادها بنفس السبب؛ وحقيقة حمل البرنامج إلى مسامع الجمهور الكثير من المواقف المؤلمة والآثار الجانبية الصعبة فقد حولت لحظات بسيطة جداً من الغفلة أو اللهو وعدم التركيز أثناء القيادة مسار الفرد أو العائلة إلى واقع مؤلم ترافقه صور عديدة من العوز والفاقة والحاجة للعون من الغير بل واليتم أو ملازمة الفراش وشلل حركة الأطراف. وقد تحدث في البرنامج أحد الضيوف ممن عانى ولا يزال من أثار حادث تصادم مروع تسبب له في إعاقة كبيرة؛ بقوله كنت أقود سيارتي بسرعة 170 كيلومترا في الساعة وصادف أن قطعت الطريق أمامي إحدى السيارات فقد تسببت في وفاة السائق الآخر وأعاني إلى جانب إعاقتي من آلم نفسي مستمر رغم ما بذل معي من تأهيل ومحاولات لإعادتي إلى ظروف حياتي الطبيعية فقد خسرت عملي وأصبحت لا أقوم بواجباتي الشخصية إلا بمساعدة الغير وكذلك واجبات أسرتي فأنا الآن أدفع عمراً طويلاً ومستقبل أسرة كاملة بسبب لحظة غفلة وتهور على الطريق كان يمكن تداركها بالقليل من الوعي "انتهى حديث ضيف الإذاعة". فإلى جانب السرعة والتهور أنظم اللهو وصرف التركيز بالانشغال بأجهزة الاتصال وغيرها أثناء القيادة إلى مسببات الحوادث وهذه حالة متطورة ومتوسعة لا يمكن السيطرة التامة عليها أثناء القيادة؛ فالأمر في غاية التعقيد ولا يمكن تحقيقه سوى بتعميم الوعي بين السائقين وقناعتهم بخطورة الحالة وضمان تفاعلهم مع محفزات تجنب الانشغال بالهاتف. وعليه يمكن لإدارات المرور الخليجية تبعاً لهذا التزايد في حجم الحوادث أحقية فرض المزيد من الحزم وفرض غرامات مضاعفة على المخالفين في استخدام الأجهزة أثناء القيادة بل وتقرير أقصى ما يمكن من العقوبات عليهم دون هوادة أو تهاون. ونعود إلى أسبوع المرور والذي تحول إلى ممارسة تقليدية لا تقدم الرسالة الناجعة للمتلقي فهو مجرد نشاط تقوم به الإدارات المعنية وتقارير تكتب إلى الجهات العليا دون أن يكون هناك قياس فعلي لمدى التفاعل مع أطروحات المناسبة وتأثير مضمونها على الوعي العام في مجالات القيادة. فقد عايشنا زمن أسبوع المرور الذي يُفتش فيه عن "المثلث والطفاية" فقط والتأكد من وجودهما في السيارات وكان المخالفون يضطرون إلى وقف استخدام سياراتهم خلال الأسبوع خشية الغرامة والعقوبة. آما الآن فالحالة كما نرى ونشاهد في شوارعنا وطرقنا تمتلئ بالتجاوزات التي تفوق الالتزام مما يحتم المزيد من ضرورة حضور الوعي والحزم معًاً. وجميل أن يوحدنا المرور خليجيا.