16 سبتمبر 2025
تسجيلبادر حزب العمال الكردستاني بالأمس إلى تسليم ثمانية من الموظفين الأتراك الذين كان اعتقلهم في العام 2012 في خطوة ملموسة ومحددة لما يتداول حول سيناريو حل تم وضع بعض ملامحه في المفاوضات بين الدولة التركية وزعيم الحزب المعتقل في جزيرة إيمرالي عبدالله أوجالان. الخريطة المتوقعة هي أن يعلن أوجالان في الأسبوع المقبل وربما بنفسه وبالصوت والصورة إعلان تجميد العمليات العسكرية بمناسبة عيد النوروز لدى الأكراد.ويلي ذلك خطوات مقابلة من الدولة التركية مثل إقرار تعديلات في القوانين تتيح إطلاق سراح بعض المعتقلين الأكراد.وفي النهاية تتحقق خطوات متتالية ومتزامنة تتضمن بنود الحل المقترح وهو انسحاب المقاتلين الأكراد من الداخل التركي إلى شمال العراق.وإعلان ترك السلاح نهائيا مقابل إطلاق سراح كل الأكراد المعتقلين وإجراء تعديلات دستورية تعترف بالهوية الكردية والتعلم باللغة الأم ومنح ما يشبه الحكم الذاتي للأكراد وإقرار الانتقال في الدستور الجديد إلى نظام رئاسي يتيح لأردوغان أن يصبح رئيسا للجمهورية في العام 2014 بصلاحيات مطلقة لخمس سنوات قابلة للتجديد.تتوج العملية بإطلاق سراح أوجالان ليقود النضال الكردي سلميا هذه المرة وبالتفاهم الكامل مع رجب طيب أردوغان. التفاؤل سيد الوضع في تركيا.وليس من مواقف يمكن اعتبارها استفزازية أو مخربة للعملية.لكن الأسئلة كثيرة فيما إذا كان الأتراك مستعدين فعلا لتلبية ما يريده الأكراد؟ أم أن الشيطان يكمن في التفاصيل؟وهل الأكراد بدورهم مستعدون للقبول بالمتيسر على قاعدة أن القليل خير من الحرمان؟ قد لا يهم الأكراد كثيرا شكل النظام السياسي في تركيا أكان برلمانيا أو رئاسيا فما يعنيهم هو حصولهم على حقوقهم وهي فرصة تاريخية لهم لتحقيق مطالب مزمنة. لكن مما يظهر حتى الآن أنه ليس من خريطة طريق محددة ونهائية.وأن الاحتمال مفتوح على خطى السلم والحرب.فليس واضحا ماهية الحكم الذاتي الذي سيمنح للأكراد هل هو فعلا حكم ذاتي أم مجرد توسيع لصلاحيات البلديات والمجالس المحلية خارج أي "كيانية" سياسية ما.وهل ستكون اللغة الكردية(إلى جانب التركية) لغة أساسية في التعلم أم أنها ستدرج بصفتها اللغوية الصرف فيما يبقى التعليم فقط باللغة التركية؟وهل سيدرج فعلا الاعتراف بالهوية الكردية في الدستور أم سيتم التوصل إلى صيغة سلبية لا تشير إلى الهويتين؟ وفي المقابل هل يوافق الأكراد على التخلي عن السلاح ومحاربة الدولة مقابل تسوية لا تلبي بالكامل مطالبهم المزمنة؟أم أنهم سيقبلون بما تيسر على قاعدة القليل خير من الحرمان وعلى أساس إطلاق سراح أوجالان والمعتقلين المؤيدين له؟ وعلى أساس أن التسوية المقترحة هي محطة في مسار طويل سينتهي إلى الدولة المستقلة على غرار دويلة أكراد العراق؟وهل سيقبلون أن يكونوا مجددا بيدقا في اصطفافات إقليمية ودولية تعرضهم لمخاطر من هنا وهناك؟أم سيولون مصالحهم القومية أولوية ويرفضون أن يكونوا أداة في أي لعبة على ظهرهم؟ وما هو دور وموقف المعارضة التركية العلمانية والقومية؟وهل يضمن أردوغان ألا تتحول خطة التسوية المقترحة إلى حالة انفصالية ولو بعد سنوات أو عقود فينقلب السحر على الساحر؟وما هو دور القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل؟وإذا كان الغرب وواشنطن تحديدا تقدّر دور الحليف التركي في تطبيق السياسات الغربية في المنطقة، فهل ستسمح له بتجاوز السقوف المرسومة لدوره؟خصوصا أن تركيا دولة مسلمة؟أم أن واشنطن قد تغطي هذا المشروع إذا كانت متأكدة من أنه يستهدف في النهاية إضعاف النفوذ الإيراني؟وما هو موقف القوى الإقليمية من مجمل ما يجري؟أسئلة كثيرة ليس من إجابات حاسمة عليها وتترك "عملية إيمرالي" في دائرة من الغموض والتجاذبات والمفاجآت و... شيطان التفاصيل في "لعبة كبرى" جديدة تشهدها المنطقة.