13 سبتمبر 2025

تسجيل

علي المحري المهندي ومحمد الجفالي النعيمي.. في ذاكرة قطر

16 فبراير 2022

(1) نواصل الكتابة عن بعض الشخصيات القطرية التي رحلت عنا وكانت تلعب دورا بارزا ومهما في تاريخنا الاجتماعي والتراث الشفاهي وحياة أهل البر والبحر بشكل خاص. فالأول من المؤرخين والحافظين لعلم الأنساب والحوادث التاريخية والأشعار الشعبية التي توثق لحياة الآباء والأجداد في قطر وقد عاصر الكثير من أهالي القرن الماضي. والثاني أحد المعاصرين لمجتمع الغوص على اللؤلؤ وحياة البدايات الأولى لاكتشاف النفط في قطر وهو أيضا أحد أركان الرواية في التراث الشفاهي وحياة قطر القديمة.. وقد عمَّر أكثر من تسعين سنة.. عليهما رحمة الله. (2) محمد الجفّالي النعيمي: الوالد محمد بن ناصر بن راشد الجفالي النعيمي (1925 - 2018) يعد أحد أبرز الرواة للتاريخ والحياة الاجتماعية في المجتمع القطري.. وهو من أهم رواة التراث والأشعار الشعبية القديمة التي كانت منتشرة في قطر قبل عقود طويلة. عرفته - شخصيا - منذ سنوات طوال وهو يسرد الأحداث التاريخية كما وقعت بتفاصيلها وفصولها بكل أمانة وإخلاص.. هذا بجانب زهده في الدنيا.. وكان يمتاز الراحل بعدة خصال منها تدينه والمداومة على تلاوة كتاب الله والصلاة في أوقاتها في المسجد.. وعرف عنه كذلك قول كلمة الحق وحفاظه على صلة الأرحام وعدم الانقطاع عن ذلك.. وكان كثير الزيارات في الأفراح والمناسبات الاجتماعية.. ولم أحضر حفل زواج إلا وأجده أول الحضور برفقة أبنائه البررة.. وكذلك تواجده في أماكن العزاء ومشاركته الناس في التخفيف من همومهم ومواساتهم دون انقطاع. وأشير هنا إلى أنني جالست الوالد محمد بن ناصر النعيمي كثيرا ونهلت منه مما يحفظ من أحداث وأشعار وقصص عاصرها بنفسه أو كان يسمع عنها أو يتذكرها من القدماء وتنم عن ذاكرة قوية في مجال الرواية الشفاهية لحياة أجدادنا في الماضي. (3) علي المحري المهندي: من الشخصيات القطرية التي عملت في الغوص على اللؤلؤ وعاصرت أيام البحر الوالد المرحوم - إن شاء الله - علي عبدالعزيز المحري المهندي الذي غادرنا إلى الدار الآخرة قبل فترة وجيزة وخلد اسمه في تاريخ مسيرة شركة النفط بصفحة من نور في خدمة هذا الوطن.. وبجانب عمله بإخلاص وأمانة مع البدايات الأولى لاكتشاف النفط فقد كان من أهل الصلاح والورع ومن أهل الزهد أيضا. يقول عنه أحد أبنائه: الوالد علي بن عبدالعزيز بن عبدالله بن محري المهندي من مواليد مدينة الخور عام 1926م.. درس القراءة والكتابة على يد المطوع وختم القرآن الكريم.. عاصر أواخر أيام الغوص على اللؤلؤ وركب البحر مع عدة نواخذة (ربابنة) من نواخذة الغوص وعمل برتبة (تبّاب) ثم (سيب) وبعدها وقعت كارثة كساد اللؤلؤ بسبب ظهور اللؤلؤ الصناعي في اليابان (الجيبان) كما كانت تسمى لدى أهل قطر في تلك الأيام.. ثم انضم للعمل في شركة البترول أسوة بكل سكان قطر وتدرج في عمله بعدة وظائف مثل: عامل على بئر البترول ثم مسؤول عمال ثم انتقل للعمل في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية لفترة من الزمن.. بعدها عاد إلى قطر وعمل في العمل الخاص فكان من أوائل الذين امتلكوا سيارات خاصة في مدينة الخور فكان ينقل العامة من أهالي مناطق شمال قطر والقرى الساحلية كما عمل في المدارس (زمن الورّات) في وزارة معارف قطر مع البدايات الأولى لنظام المدارس الحكومية.. فعمل في نقل الطلاب والمعلمين خاصة في فترة الستينيات من القرن الماضي.. ثم عمل كسائق في السيارات الثقيلة (النشاشيل: سيارات الدفان) ثم عمل في السيارات الوطنية (التاكسي أو الأجرة).. وعمل بعدها في دائرة الكهرباء والمياه لفترة من الزمن.. وفي بداية السبعينيات عمل في قطاع المقاولات والتجارة والنقليات وأسس شركة خاصة به في الخور.. ويعد أحد المؤسسين لمحطة البترول الوطنية وهي شركة أهلية تأسست في عام 1974م وأسسها مع بعض الأهالي في (الخور والذخيرة) وشغل حينها منصب رئيس مجلس الإدارة حتى فترة التسعينيات.. ويعرف عن الوالد علي المهندي اهتمامه بالأدب الشعبي وحفظه للأشعار القديمة (الشعر النبطي) وكذلك الأمثال والقصص الشعبية والمرويات التراثية وحوادث مجتمع الغوص على اللؤلؤ.. وكانت وفاته بتاريخ 29 أكتوبر 2021م. ذكريات الذين عملوا في بدايات تأسيس شركة النفط كثيرة.. وأهل قطر عاصروا تلك الحياة بحلوها ومرها وتصدوا لتحدياتها التي واجهتهم في تلك الأيام الصعبة بفضل تعاونهم وتكاتفهم من أجل الحصول على لقمة العيش بما يوفر لهم حياة معيشية كريمة.. فنالوا ما كانوا يطمحون إليه في تلك الأيام التي لا تنسى أبدا.. بقي أن نعلم أن الوالد علي المهندي قد أجرت معه قناة الريان الفضائية وقناة قطر عدة لقاءات تم فيها توثيق حياته في مجتمع الغوص على اللؤلؤ وأيام عمله في شركة النفط بجانب حديثه عن ذكريات ذهابه إلى حج بيت الله قبل وبعد اكتشاف البترول في قطر. (4) كلمة أخيرة: رحم الله شباب الأمس الذين غادروا الدنيا ولم يخلفوا لنا سوى الذكر الطيب والعلم الغانم والأثر الحسن الذي لن يمحى من الذاكرة.. إنها ذاكرة قطر التراثية والاجتماعية والاقتصادية.. ولنا وقفة قادمة مع أمثال هؤلاء الذين خدموا هذا الوطن الغالي فكانوا نعم الرجال في الحفاظ على مجدنا الأصيل.. رحمهم الله رحمة واسعة.. ولابد في نهاية المطاف من توثيق سير أعلام قطر لحفظ تاريخهم من الضياع والاندثار. [email protected]