14 سبتمبر 2025

تسجيل

عقدة الخلود وجنون السلطة

16 فبراير 2016

هناك قضية في بلداننا وهي حب التسلط، وهذه مشكلة ما يجري في الصراعات العربية، فنرى تشبث كثير من الساسة بالسلطة وسعيهم للدمار والخراب، مقابل ذلك ما يجري في سوريا، أن الرئيس لا يريد أن يضحي بالكرسي مقابل بلاده وشعبه، ولكنه يريد أن يضحي بشعبه وبلاده مقابل بقائه وكأنه خالد مخلد، ولم يعتبر بوفاة من قبله كوالده وغيره من رؤساء. وكذلك لم يعتبر المتصارعون في ليبيا من نهاية القذافي فتصارعوا على كراسي السلطة ودمروا البلاد. وفي اليمن تصر الأطراف المتنازعة على الوصول إلى هذه السلطة، وما نراه في تعز من قصف للمدنيين والانتقام منهم وضرب المساجد والمستشفيات والمتاحف والمصالح أمر لا يصدقه إنسان لديه عقل، ويظن هؤلاء أنهم لن يحاسبوا وأنهم خالدون، وأن الحكم أصبح صكاً باسمهم. وفي العراق نجد المأساة نفسها.ماذا جرى في بلداننا؟ سنوات ونحن نعيش هذه العقدة عند الحكام والساسة، هوس الحكم، بل إن بعضهم يكون مقعداً ومريضاً فلا يستقيل. وأخيراً ظهرت فكرة شيطانية من أصحاب النفوذ ومن يتسلقون للوصول إلى مصالحهم بإقناع هؤلاء بتوريث أبنائهم وأقاربهم وإعطائهم الامتيازات، وكأن الأرض ليست لله يورثها من يشاء. لا يصدق هؤلاء أنهم خرجوا على الدنيا عراة لا يملكون شيئاً وسيغادرون عراة لا يملكون شيئاً، وأن العاقل من يعمل لحساب القبر ويوم المحشر. عندما ينـزل هؤلاء القبور لا ينـزلون بألقاب ولا أموال ولا قصور، بل إن أقاربهم وأصدقاءهم للمصالح ينسونهم عند دفنهم. لم يعتبروا أين ذهب الشاه الذي كان يتجبر، وأين ذهب ماو تسي تونج، وأين ذهب كندي وروزفلت وديجول وهتلر وموسوليني وعبد الناصر ونهرو وتيتو.. أسماء ظلت تشغل الإعلام، واليوم صاروا منسيين ونزلوا إلى التراب. وهناك ستبرز لهم صفحات أعمالهم وسيسألون عنها. كنت دائماً أقدم هذه النصيحة لقادة بلادي ورئيسها السابق، وقلت له لا تصدق المادحين، فهؤلاء مدحوا من قبلك تم شتموهم، وسيتعاملون بالأسلوب نفسه، وصاحبك من نصحك وحذرك من الشر، سيحصل على الخير. ولكن للأسف فهؤلاء لم يقرءوا التاريخ، فماذا حصل لفرعون من الغرق، وماذا حصل للنمرود عندما سلط الله عليه بعوضة، وماذا صنع الله بشداد بن عاد وبالريح الصرصر العاتية، وأصحاب نوح ومدين، ونهاية أبي جهل وأبي لهب، ونهاية بني أمية وبني العباس، والعثمانيين، والسلاجقة، وكيف انتهى كسرى وقيصر، ونهاية نابليون وهتلر ولينين وكل هؤلاء الجبابرة؟.ظل آل حميد الدين يضطهدون اليمن ويستعبدونها سنوات، فثار الناس ضدهم وطردهم الشعب اليمني، وهم يحاولون أن يعودوا الآن تحت راية الحوثيين والجيش اليمني. للأسف فإن هؤلاء مخدوعون لا يقرءون نهاية الأمم، بل يصرون لو أن أحدا منهم -ولو كان مريضاً أو معوقاً- يقدم استقالته لأهل الحل والعقد لتداول السلطة كما يفعل العالم الآخر، ولم تبرز عندنا ظاهرة إلا سوار الذهب الذي تنازل طوعاً، أو ابن علي الذي غادر بلاده مسالماً حرصاً على حقن الدماء مهما اختلف البعض معه فهو ترك السلطة خوفا من الفتنة. ويشعر الإنسان بالأسى لحجم الكارثة لهذه الفتنة، وما وصلت إليه اليمن والعراق وسوريا وليبيا، لماذا لا يفكر العقلاء عندنا بوضع أسس لهذه الأمور وإرساء ضمانات ومؤسسات. ديننا دعا لذلك، وهو ما قاله أبو بكر وقاله عمر وكل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلمنا ديننا من خلال القرآن تحريم القتل وسفك الدماء والدعوة إلى الرحمة، حتى مع العدو، لا يُحرق شجر ولا يُقتل وليد ولا عجوز ولا كاهن. أما الآن فلا أمان لأحد، أنا أو الطوفان. إن هؤلاء يظنون أنهم باقون، والكارثة الكبرى أن هؤلاء يظنون أنهم سيبقون إلى الأبد. لننظر إلى قصة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان الذي كان يبده مفتاح الزر النووي فمرض بالزهايمر وعجز أن يعرف حتى أهله، سبحان الله. وكذلك كان هنا رؤساء مثل شارون ظل في غيبوبة سنوات حتى مات، ولكن من يعتبر؟.إن عدم وجود ثقافة الدار الآخرة وحساب القبر ينفيه ماديا وجود الأفلام الوثائقية والتسجيلات والبصمات دليل على ذلك إذا كانت هذه في الدنيا عند البشر فكيف عند الله الذي خلق الكون وحذرنا بالقرآن من ذلك اليوم؟ ولكن هناك من لا يخاف الله. وقيل إن عبد الملك بن مروان عندما وافته المنية نظر إلى غسال ثياب فقال كلمته المشهورة "تمنيت لو كنت غسالاً آكل من أجر يدي ولم أكن حاكماً". هناك أيضا أناس يملكون شركات ومؤسسات يحرمون أقاربهم من الميراث ويتسلطون عليهم بعد موت الآباء، وهناك أصحاب مناصب حكومية وتجارية وغيرها يعاملون من معهم بظلم فيأخذون أجرهم وحقوقهم، وهناك أناس يستغلون حاجة الناس وغير ذلك كثير، ولكن بسكوت أهل الحق وصمتهم سلط الله عليهم أمثال هؤلاء. انظروا إلى الهند ودول أوروبية أصبحت اليوم تتناوب الحكم، وانظروا لبيل غيس وغيره. وقد شاهدت في بلاد الغرب أصحاب الملايين والمليارات يرصدون مبالغ ضخمة للأمور الإنسانية والصحة والأبحاث والمستشفيات لعلاج الأمراض المستعصية، وهو ما يوجد بلادنا. وهناك مثل كلينتون وغيره يتفرغون للعمل الإنساني، ولم أشاهد أحدا من هؤلاء يتفرغ للمصالحة وخدمة الناس حتى يترك بصمة خير ودعوة بظهر الغيب، ولكن عقدة الخلود والدوام أصبحت رمزا وجنونا عند هؤلاء، ونرى يومياً بيوتا مدمرة وكوارث لا يصدقها عقل وتجعل الإنسان يبكي دماً وهو يرى المهجرين من بلدانهم وقراهم والدماء التي تسيل، ومن يموتون بالقوارب بالبحار. والعجيب أن هؤلاء يستخدمون سلاح الطائفية والدين وغيرها للوصول إلى أهدافهم. ولا يدركون العقوبة الربانية وسؤال الميزان والصفحات. فلا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم ارحم ضعفاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم.