19 سبتمبر 2025
تسجيلجملة تاريخية، صاحبها وقائلها بلال بن رباح الحبشي رضي الله عنه بعد لحظات من اندحار الكافرين يوم بدر.. فقد وقع رأس من رؤوس الكفر يومئذ وهو أمية بن خلف وابنه علي في الأسر، وكان آسرهما عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، صديقُ أمية في الجاهلية، وقد طلب أمية أن يأسره هو وابنه طمعاً في الفداء، فوافق ابن عوف.لكن الله قد كتب على أمية أن يموت خائفاً ذليلاً.. حيث رآه بلال في قبضة ابن عوف، فصرخ بأعلى صوته: لا نجوتُ إن نجا.. وكأنما يحلف ألا يدع هذا الذي مارس أشد أنواع التعذيب به بُعيد إسلامه، فما جرى له على يد أمية ليس بالأمر الهين، وليس قلبه بالذي يتمكن من الصفح عنه.. فمهما يوصف الإنسان أنواع العذاب على بلال، لا يمكن أن يستشعرها أحد سوى من ذاق عذابات الجلادين في السجون والمعتقلات، عافانا الله وإياكم.ذهبت محاولات عبدالرحمن بن عوف أدراج الرياح وهو يقنع بلالاً أن يترك أسيره، لكنه ساعتئذ كأنما لم يكن يرى أو يسمع أو يشعر بشيء سوى صورة وصوت أمية وذكرياته الأليمة معه، فاجتمعت كلها بقسوة وتحولت إلى قوة سرت بجسمه ويديه، كانت نتيجتها سيفاً يقطع جسد أمية الضخم، معلناً نفوق رأس من رؤوس الكفر.لكن لماذا لم يحاول بلال اغتيال أمية، بعد أن نال حريته على يد الصديق رضي الله عنه، وقد كان رجلاً جسيماً ثقيلاً وهدفاً سهلاً؟ لا أشك أنه لم يفكر بذلك، ولكن لأنه والصحابة قد التزموا بتعليمات الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يردوا عن أنفسهم أذى المشركين بالمثل، إنما الصبر وحسب حتى يأذن الله.. وقد كان الإذن في السنة الثانية للهجرة، وعلى إثره وقعت بدر الكبرى، فانتقم بلالٌ لله ورسوله ولدينه ولنفسه، ليس حباً في القتل بقدر ما هو تنفيذاً لأوامر الله الصارمة، إذ كان قتلُ المشركين يومها عبادة، مثلها مثل الصبر على الأذى الذي لاقوه منهم قبل الهجرة.