14 سبتمبر 2025

تسجيل

ماذا عن التصالح مع رموز النظام السابق ؟

16 فبراير 2013

لا يختلف اثنان على أن مصر تمر بأسوأ ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية حالياً، ولا يشكل فرقاً مهماً، سواء اتفقنا أو اختلفنا، على أن التخبط الحالي سببه قوى خارجية تضمر للثورة الشرور، أو فلول الحزب الوطني عبر تحريك قطعان البلطجية للتخريب والترويع أو "أخونة الدولة" وعجز التيار الإسلامي عن قيادة مصر. هنا يتوجب طرح حلول غير تقليدية للخروج من الأزمة، على شاكلة: هل بالإمكان تحقيق تسوية بين الثائرين ومن ثارت عليهم مصر؟ بمعنى آخر، هل تتحلى القوى السياسية الحاكمة والمعارضة بالشجاعة التامة لتعلن وبصريح العبارة أن مصر في هذا الظرف العصيب تتطلب مصالحة شاملة بين أبنائها تبدأ مع النظام السابق وأركانه، ومن ثم مع بقية قوى الثورة من أجل مصر هذا البلد الغالي جداً على قلب كل عربي تماماً كما هو غال على قلوب المصريين أنفسهم؟ فمصر إذا ما توصلت إلى مصالحة وطنية تضم جميع أطيافها السياسية بمن فيهم رموز النظام السابق فإنها لن تكون بدعاً من السلوك، ولن تكون الثورة الأولى التي تجري مثل هذه المراجعة، فالكثير من الثورات في العالم أجرت مصالحة بين العهد القديم والجديد في سبيل لمّ شمل الوطن الواحد، وهذا حدث في البلدان التي طالت فيها الحقب الديكتاتورية في أوروبا وفي جنوب إفريقيا. وإذا ما خطت مصر هذه الخطوة، فإنها ستكون رائدة دول الربيع العربي، وهي تستحق هذا اللقب، حيث وصل الاستقطاب السياسي والاجتماعي والإيديولوجي حداً ينذر بانفجار مصر وتشظيها إلى جزر بالغة الصغر، هذا إذا استبعدنا الانهيار الاقتصادي الشامل إذا ما استمر النزيف الحالي. حسناً فعل القضاء المصري حين أفرج عن بعض رموز النظام السابق بعد أن استنفد احتجازهم الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق، ولعله يكون ذلك بادرة حسن نية ومقدمة للإفراج عمن لم تتلوث يده بالفساد، وهذا حق مكفول لأصحابه قبل أن يكون منة من الحكومة، لكن حديثنا هو عمن أفسد مصر ونهب مالها وخرب مجتمعها، هل يمكن التسامح معه والاستفادة منه في بناء مصر الجديدة؟ ما قاله المرشد العام السابق للإخوان المسلمين خلال احتفال جماهيري لحزب الحرية والعدالة قبل عدة أيام من أن الحكومة تستفيد من أعضاء الحزب الوطني الذين لم يتورطوا في ملفات فساد أو قتل خلال حكم الرئيس مبارك، وأنه يدعو الرئيس مرسي للإفراج عن سلفه إذا كان ذلك يساعد مصر على الخروج من أزمتها الحالية خطوة شجاعة يُحمد عليها، كما أن دعوة الدكتور محمد البرادعي القيادي البارز في جبهة الإنقاذ الوطني للتصالح مع الحزب الوطني يعكس مسؤولية واضحة والتزام تجاه مستقبل مصر. لعلّ هذا التوجه يعكس مزاجاً شعبياً عاماً حيث يكشف استطلاعا للرأي أجراه مركز معلومات مجلس الوزراء‏ ونشره مركز الأهرام للدراسات في 6 فبراير الجاري عن تراجع في نسبة المصريين الرافضين للتصالح مع رموز النظام السابق إلى ‏52%‏ في مارس ‏2012، مقابل ‏57%‏ في أغسطس ‏2011‏. وأن 29% من المواطنين وافقوا على الإفراج عن المتهمين من رموز النظام السابق نظير استرداد الأموال المنهوبة مقابل 26% كانوا قد وافقوا على ذلك في أغسطس2011. وإذا ما أضفنا للاستطلاع السابق استطلاعا آخر حول تراجع ثقة الجمهور بالحكومة الحالية وبالرئيس مرسي نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، يصبح من الملحّ طرح موضوع المصالحة بشكل جدي، فقد بلغ الخوف من انهيار الوضع الاقتصادي حداً مخيفاً حيث كشف الدكتور حاتم القاضي رئيس مركز معلومات مجلس الوزراء عن ارتفاع نسبة المواطنين الذين يرون أن الأوضاع الاقتصادية للدولة حاليا أسوأ من العام الماضي لتصل إلى ‏60%، حسب استطلاع للرأي تم إجراؤه خلال فبراير الماضي‏، وذلك مقابل ‏43%‏ في استطلاع فبراير من العام 2011‏. نأمل أن يكون تصريح وزير العدل أحمد مكي لقناة العربية قبل أيام حول إمكانية التصالح مع رجل الأعمال الهارب حسين سالم المتورط في قضية بيع الغاز لإسرائيل طالما أن الجريمة ليست مقترنة بدماء، خطوة محسوبة في اتجاه المصالحة، وليس مجرد مبادرات فردية على شاكلة ما يقوم به رجل الأعمال البارز حسن مالك المحسوب على جماعة الإخوان حين أكّد لصحيفة الفايننشال تايمز البريطانية في 6 فبراير الحالي أن اثنين، على الأقل، من رجال الأعمال المصريين في لندن سيعلنان عن عودتهما قريبا لتسوية خلافاتهما مع الحكومة. أما بخصوص من تورطت يده بدماء المصريين، فإن صاحب الحق في الصفح عنه هو صاحب الدمّ بالدرجة الأولى، ولعل الوصول إلى تفاهم حول دفع الديّات أو عرض العفو على مبارك عبر استفتاء شعبي قد يساعد في حلّ هذه الأزمة، وربما يخفف من التشنج القائم بين مصر وبعض دول الخليج، ويعيد الثقة للعالم بمصر ما بعد الثورة.