18 سبتمبر 2025
تسجيلفي العام 1996 صدر قانون جديد للصحافة والمطبوعات بمبادرة من المجلس الوطني بعد أن بلغت المواجهة بين الصحافة والحكومة مبلغاً ووصلت لطريق مسدود وكان لابد من تعديل ذلك القانون المنظم للعمل الصحفي وكان أهم تعديل في ذلك القانون هو تعديل المواد ذات الصلة بملكية وسائل الإعلام(الشركات الصحفية) حيث كان القانون السابق يشترط قيام الشركات الصحفية بما عرف بشركات المساهمة العامة الأمر الذي خلق العديد من المشكلات بين الناشرين ملاك تلك المؤسسات والصحفيين..وقد صدر قانون 96 عقب نقاشات وورش عمل شارك فيها العاملون في الحقل الصحفي بصورة مكثفه..وكان القانون معبراً عن الظروف السياسية آنذاك..ثم اقتضت الضرورة بعد ذلك التعديل في بعض مواد القانون فكان تعديل 1999 عقب صدور دستور 98 ثم تعديل آخر لسنه 2000 في إطار الإصلاحات القانونية آنذاك ثم تعديل 2004 وتعديل 2009 واليوم يجري النقاش والإعداد لمشروع قانون جديد يتوافق مع مرحلة الجمهورية الثانية بعد انفصال الجنوب وسلام دارفور وانتهاء كل الظروف الخاصة بالضغوط الأمنية والسياسية التي ظلت تحاصر بلادنا منذ أن أخذ المستعمر عصاه وخرج وهو يضمر لنا الويل والثبور وعظائم الأمور. وقانون الصحافة الذي صدر في ظل الاستعمار عام 1930 كان هدف المستعمر منه السيطرة علي الصحافة التي بدأت وتيرتها تتزايد بفضل الدعوات والتوجهات الوطنية آنذاك لضرورات فتح المدارس وتعليم أبناء السودان في ظل حكومة خططت لعدم قيام مدارس تخلق لهم درجات من الوعي الوطني وصحف تشكل ضدهم رأي عام وطني..فالي جانب بنود القانون التي كانت تحمل سمات التشدد والمنع والرقابة والتعطيل ظل القانون متأرجحا في التبعية والإشراف ما بين وزير الداخلية الذي كان له مطلق الحق في منح أو منع أو تعطيل أي صحيفة حتى دون إبراء أية أسباب بل كانت بجانب تبعيتها للسكرتير الإداري (وزير الداخلية) كانت كذلك تتبع لوزارة العمل ثم الجمارك وغيرها من المصالح والوحدات الحكومية مما خلق الكثير من المعاناة للعاملين في تلك الصحف بين قهر وسجن وتشريد..ولكن رغم كل تلك الظروف القاسية نبتت بذرة الصحافة في بلادنا..وكان المرحوم حسين شريف من أوائل أولئك الفرسان الذين امتطوا صهوات الصحافة السودانية ابتداء من العمل في صحيفة رائد السودان التي صدرت عام1913 وانتهاء بتأسيس صحيفة الحضارة عام 1971. وأقول هذا عن تاريخ قانون الصحافة لكي نكتب ونتحدث عن هذا القانون الذي تأسس عام 1930 في ظل الاستعمار.. فكان القانون معنيا في المقام الأول بالمعايير المتصلة بالصحيفة وشروط منح الترخيص وأهمية وضع وتثبيت المعلومات الخاصة بالصحيفة، ملكيتها.. دوريتها.. سعرها.. عناوينها أي مكان الصحيفة ووسائل الاتصال بها حتى تكون معلومة للحكومة ولمن شاء من القراء..ولم تكن هناك معايير للصحفي من هو وماهو مستواه التعليمي واتجاهه وكان الاشتراط هو سياسة التحرير.. هل هي سياسيه أم ثقافيه أم تجاريه.. وهذا كان سر التوجه الثقافي لمعظم الصحف التي صدرت في عقدي العشرينيات والثلاثينيات وهذا أمر يحتاج إلى دراسات متأنية ووقفه حول مخرجات تلك الصحف هل كانت بالفعل ثقافيه أم كانت سياسيه مغلفه بالثقافية ولذا كان أسلوب التناول تقلب عليه السمات الثقافية مثل مطالبات حسين شريف في مقالاته بإصحاح البيئة في مدينه أمدرمان وإصلاح الطرق والإنارة..ثم دعواته لقيام التعليم الأهلي بعد أن صارت سياسة المستعمر واضحة في عدم الدعوة إلى ذلك. فلابد لنا ونحن نقلب أبواب وفصول وبنود قانون الصحافة لسنة 2009 الذي صيغ في ظل دستور انتقالي واتفاقيه تجمع بيننا وبين أناس قرروا إنشاء دولتهم وصياغة دستورهم وإنتاج القوانين المنظمة لأعمالهم في ظل أو في ضوء دستورهم الجديد ودستور متوقع يخصنا نحن يعبر عن تطلعات شعبنا من الحرية الحقيقية التي تعطي كل ذي حق حقه وكل ذي حاجة مراده ولذا فإن إخضاع مشروع القانون الجديد للمزيد من النقاش ووجهات النظر المختلفة يصبح أمرا هاماً لأن ذلك يتعلق بحق الآلاف من العاملين في هذا الحق من الصحفيين والإعلاميين والفنيين والإداريين والعمال..والأسر من خلف هؤلاء جميعاً.. فتشريد عدد قليل من الصحفيين من مؤسسة ما وإغلاق ابوابها لا يعني صاحب المؤسسة وحده وإنما هناك امتدادات وتشابكات أخرى تصاب بالأذى لمجرد إهمال فرد أو غضبة حليم أو صحافة ما. ولهذا جاءت التشريعات المصاحبة المتعلقة بالاختصاصات والحقوق ونحن نعيش عصر حقوق الإنسان، هذه الحقوق تتعلق بالأجور والعلاوات وتطور الصحفي عبر حقه في الترقيات وتبوؤ مناصب عليا كلما بذل الجهد وطور أداءه وحقه في أن يعيش كريماً وحق أسرته في الاستقرار والطمأنينة.. فؤائد ما بعد الخدمة شروط خدمه عادله..ضمان اجتماعي لأسرته.. حياتهم ومأكلهم وحقوقهم في دخول المدارس وحق الصحفي في العلاج والسفر والدراسة وحقوق المرأة الصحفية في الارتقاء بمقدراتها عبر الدراسات والتدريب وتقلد المناصب والإجازات والتأمين الاجتماعي.. هناك أمور كثيرة ينبغي أن تكون ماثلة أمام أصحاب القرار في الشأن الصحفي مع مراعاة أننا جزء من هذا العالم الذي صار صغيراً رغم كبره وقريبا جداً رغم المسافات التي تفصل بين دوله وشعوبه حتى صار الإنسان يتنفس الأخبار ويستنشق عبر الفضاء المليء بالأحداث والمعلومات والحقائق.