10 سبتمبر 2025
تسجيلمن الإشكاليات التي كثيرًا ما يروج لها المبدعون، نضوب الأفكار، وأنها وقتما تتوفر فإنها تكون حافزًا لأصحابها لانجاز أعمالهم الإبداعية، وأنها حال نضوبها، فإن المبدع يصبح أمام معاناة، فتندر على إثرها فكرته، ومن ثم إنتاجه، ويتعثر إبداعه. غير أن المدقق في الإنتاج الإبداعي، حتمًا سيلاحظ أن هذا الإنتاج يولد من رحم فكرة، وواقع يحياه صاحبه، فيترجمه إلى إنتاج أدبي، أو عمل فني، سواء كان تشكيليًا أو دراميًا، إلى غير ذلك من أعمال إبداعية، ما يعكس أن الواقع الذي يحياه المبدع حافل بالأفكار، بل يكاد يصبح هو الخزين لها، الذي يستوعبها، حتى إذا ما استحضرها، ترجمها إلى أعمال إبداعية مختلفة. ولذلك، نجد كثيرًا من الأفكار تتراءى أمام أصحابها، وعندما يحين الوقت لترجمتها في عمل أدبي، فإنه يستدعيها، بعدما تكون قد نضجت في ذهنه، وأصبحت جاهزة للخروج من عقالها، لتجد طريقها صوب المتلقي، فيتلقفها بدوره، ليستفيد منها إما لإثراء معلوماته، أو لعصف ذهنه، أو لإشباع ذائقته الفنية. وحتى لا يكون الحديث مرسلًا، فإننا ونحن نعيش جولة إستراتيجية مهمة من جولات الصراع العربي- «الإسرائيلي»، فإن هذا في حد ذاته، من الأجواء التي تولد أفكارًا عدة لأصحابها، ليتلقفها المبدع، فيحتفظ بها في خزين أفكاره، حتى إذا ما جاءته الفرصة ليترجمها في أعمال إبداعية، أقدم على ذلك، وحينها سيكون قد سجل لنفسه حضورًا في هذا المشهد المستعر، ليكون بذلك ضمير أمته، ومترجماً لواقع يشهده، كون ذلك سمة أساسية لا غنى عنها للمبدع، في أن يكون انعكاسًا لواقعه، ملامسًا لقضايا مجتمعه وأمته. والمتأمل للمشهد الثقافي، ولجيل الرواد، فإننا نجدهم قد كتبوا أعمالهم بعد فترة من حدوثها، أو سجلوا ذكرياتهم، بعد انتهاء الأحداث نفسها، بالشكل الذي يكون قد نضجت على إثره الفكرة، وأصبحت جاهزة للخروج في إنتاج أدبي، أو عمل فني. ولاشك أن تفكيرًا على هذا النحو، يعني أن المبدع وضع إبداعه على الطريق الصحيح، وشارك أبناء أمته فيما يشهده واقعها، علاوة على كونه تمكن من توثيق هذا الواقع بإبداعه، سواء كان ذلك بقلمه، أو ريشته، أو غير ذلك من الأدوات الإبداعية، التي يستخدمها لينجز أعماله. وخلاصة القول في هذا السياق، فإنه حين يتقاعس المبدع عن الإسهام فيما يدور حوله، وما يشهده واقعه، فإنه يكون بذلك قد أحجم عن القيام بدوره، وتقاعس عن واجبه، ولا عزاء له في تلك المقولة الشهيرة «نضوب الأفكار»، فالفكرة – كما يقال- على قارعة الطريق، أينما كانت وجهة المبدع، صوَّب إبداعه نحوها.