31 أكتوبر 2025

تسجيل

تركيا تحتاج مقاربة مختلفة

16 يناير 2016

حسمت التصريحات التركية الرسمية التكهنات حول هوية منفذ الهجوم على منطقة السلطان أحمد في مدينة إسطنبول. داعش هو المسؤول عن العمل الإجرامي. كما أنه المسؤول عن سلسلة هجمات دموية أخرى وقعت سابقاً. الأرجح أن العمل الإرهابي لن يكون الأخير الذي سيستهدف الاستقرار التركي خلال العام الجاري. وأن ما ذهب إليه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بقوله: إن تركيا أضحت الهدف الأول لكل التنظيمات الإرهابية في المنطقة هو صحيح. كما لا يستبعد البعض أن يكون هناك تنسيق وتوظيف متبادل بين الجهات المتطرفة للنيل من الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم، وفقاً لما تقدمه الصحافة التركية القريبة من الحكومة. لا قلق على الاقتصاد التركي من الانهيار أو التباطؤ الحاد نتيجة العمليات التخريبية.. فأنقرة تحقق منذ سنوات معدلات نمو هي الأعلى في الإقليم. كما أنها تسير وفق خطة موضوعة بشكل علمي وواقعي باتجاه غايات يراد تحقيقها عام 2023. لكن العام 2016 لن يكون سهلاً على الحكومة التركية، ولا على أهدافها الموضوعة. قبيل نهاية العام 2015 تمكنت الحكومة التركية من تجاوز تحديات عدة، ودشنت تفاهمات جديدة مع شركائها التقليديين. فقد تخطت شرط المشاركة السياسية مع الأحزاب التي تعترض على كامل توجهاتها السياسية داخليا وخارجياً بعد أن فاز "العدالة والتنمية" في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. عوّل الناخب التركي على الاستقرار السياسي والاقتصادي. وكان الأمر بالنسبة له كافيا لإعادة انتخاب "العدالة والتنمية" الذي وعد ناخبيه بالحفاظ على هذا الاستقرار، متعهدا في الوقت عينه بالقضاء على الإرهاب.. رغم ذلك، تبدو الحكومة التركية شاخصة أمام تعهد قد يكون أكبر من قدرتها على مواجهته بمفردها، لأن الإرهاب ببساطة ليس وليد ظروف داخلية تركية، ولا هو ينشط على أراضيها فقط، كما أنها ستجد نفسها مضطرة للتعاون مع دول مثل روسيا إذا ما أرادت الحدّ من تدفق الإرهاب المنطلق من سوريا إلى أرضيها. قضت التفاهمات الأوروبية التركية بخصوص أزمة اللاجئين السوريين أن تعمل أنقرة على إبقاء اللاجئين داخل أراضيها بعد الحدّ من تدفقهم إليها، ومنها إلى دول أوروبا، وانتهاج سياسات جديدة تجاه اللاجئين كان من بنودها، فرض تأشيرة دخول على حاملّي الجنسية السورية، منح المقيمين على أراضيها أذون عمل، تقديم المزيد من الرعاية الصحية والتعليمية للعوائل السورية، في حين تتعهد أوروبا بتقديم مساعدات مالية تربو على ثلاثة مليارات يورو، وإسقاط شرط الحصول على تأشيرة سفر للموطن التركي الراغب في دخول الاتحاد الأوروبي، وفتح فصول جديدة في ملف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعد أن جمّد الملف لأكثر من سنتين، وتوقف دول الاتحاد عن نقد تركيا في مواجتها المفتوحة مع حزب العمال الكردستاني. المتأمل في هذه التفاهمات يدرك أن الاتحاد الأوروبي حرص على إبقاء الأزمة داخل تركيا، فهو في حقيقة الأمر لا يقدم لتركيا ما تحتاجه في مواجهة داعش. كما أن واشنطن، الحليف الأبرز لأنقرة، تراجعت كثيراً تجاه التزاماتها في حلّ الأزمة السورية.لعل من أكبر التحديات التي تواجه تركيا في مواجهة داعش هو عجزها عن توجيه ضربات جوية إلى أماكن وجود التنظيم بعد الأزمة التركية الروسية على خلفية إسقاط أنقرة للطائرة الروسية. في هذه الحال سيبقى التنظيم الموجود بالقرب من حدودها يوجه عملياته التخريبية إلى أراضيها، غير مكترث بالغضب التركي طالما أن الطلعات الجوية التي تستهدف المعارضة السورية المسلحة تساعده على التمدد باتجاه الحدود التركية. مواجهة الإرهاب المتزايد داخلياً على يد حزب العمال الكردستاني الذي يلتجئ إلى الجبال الواقعة بين تركيا والعراق أو ذلك القادم من وراء الحدود مع تنظيم داعش، يتطلب من الحكومة التركية تقديم مقاربة جديدة تتسم بمزيد من النشاط الاستخباري، مع تفعيل الدبلوماسية التركية تجاه دول الإقليم، مع المزيد من العمل لحماية الحدود التركية من أي اختراق. وإعادة ترتيب العلاقة مع موسكو التي تمتلك أوراقا عديدة قد تستنزف تركيا، سواء في ملف العمال الكردستاني حيث يُحكى عن دعم سري مقدم له، أو في الأزمة السورية حيث تتفق جميع القراءات على أنها مستمرة خلال العام 2016. وقد تزداد سوءاً عما كانت عليه عام 2015.