12 سبتمبر 2025

تسجيل

شريف عبد الرحمن سيف النصر

16 يناير 2013

يخوض المحافظون الجدد معركة ساخنة ضد المرشح الذي اختاره الرئيس الأمريكي لمنصب وزير الدفاع، في محاولة منهم للتسلل إلى بؤرة المشهد السياسي بعد أن أطاح انتخاب أوباما لفترة ثانية بفرصهم للعودة الرسمية بصحبة الجمهوريين. فبمجرد أن أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عن ترشيح السيناتور السابق "تشاك هاجل" لتولي منصب وزير الدفاع "البنتاغون"، حتى شنت جوقة اليمين المحافظ حربا شعواء على المرشح الجديد وذلك للحيلولة دون استمرار "النهج الانعزالي" الذي وسم أداء الرئيس أوباما، والذي يشتهر أن المرشح الذي اختاره لرئاسة البنتاغون يفضله أيضا. ولكن بدلاً من انتقاد المرشح الجديد لميوله اللاتدخلية اتبع المحافظون الجدد الطريق الأسهل وبدأوا في التشهير بالوزير المحتمل بوصفه معاديا لإسرائيل، وقد تضمنت القائمة التي أعدها منتقدو هاجل اتهامات من نوعية "أنه تجرأ في السابق على دعوة إسرائيل لاتخاذ خطوات عملية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط،" وأنه "تجرأ على الافتخار بأنه ليس ممن يدعمون إسرائيل دعما مطلقاً"، ثم هو "غامر بالقول إنه من القلائل الذين لا يرهبهم اللوبي الصهيوني أو المنظمات الداعمة لإسرائيل مثل أيباك،" مثل هذه الخطايا التي لا تغتفر، والتي جمعها الأمريكي المتصهين وليام كريستول في مقالة الأخير بصحيفة الويكلي ستاندرد، هي ما تبرر من وجهة نظره ونظر المحافظين الجدد الوقوف ضد ترشيح هاجل للمنصب الأخطر في الحكومة الأمريكية. إلا أن هذه اليافطات المثيرة لا تحجب حقيقة موقف المحافظين الجدد والمتمثل في رغبتهم في وضع حد للأداء غير التدخلي لإدارة أوباما، ودفعها دفعاً إلى تبني نهج التدخل بالقوة المسلحة كما كان الحال في ظل إدارة بوش الابن. وبالمثل فإن هاجل المعروف عنه كراهيته لأسلوب التدخل المنفرد واستعراض القوة يتضاد على طول الخط مع سياسة المحافظين الجدد القائمة على فرض الهيمنة الأمريكية حيثما أمكن ذلك. ويذهب المحافظون الجدد أنهم وإن فقدوا فرصة ترشيح أحد الصقور لهذا المنصب فليس أقل من الحيلولة دون أن يتولاه أحد الحمائم، فاختيار هاجل من وجهة نظرهم سوف يؤكد العقيدة اللاتدخلية للرئيس أوباما، في الوقت الذي يرون فيه الأجواء الدولية مناسبة لتنفيذ مشروع القرن الأمريكي وخاصة في الشرق الأوسط الذي يشهد أجواء تسمح للولايات المتحدة بالتدخل على نحو أيسر من ذي قبل. من جانبه يتبنى الحزب الجمهوري نفس موقف المحافظين الجدد إزاء ترشيح هاجل رغم كون الأخير منتميا للحزب الجمهوري، وذلك لما يأخذه الحزب عليه إلا من استقلال عن الخط الجمهوري في العديد من القضايا. فقد كان هاجل ممن أعلنوا دعمهم صراحة لأوباما خلال الانتخابات الرئاسية عام 2008 ضد المرشح الجمهوري جون ماكين، كما كان متشككا في جدوى إرسال الأمريكيين إلى القتال من دون إستراتيجية واضحة، كما كان الحال في العراق وأفغانستان. أما أبرز عناصر التميز في شخص هاجل فهو إيمانه بضرورة العمل الجماعي ضمن إطار المنظمات الدولية، حيث كان دائما ما ينتقد النزعة الأمريكية لتجاهل الأمم المتحدة، وهذا ما وضعه في موقع مناقض لفكرة التدخل المنفرد المفضلة لدى الجمهوريين. ونظرا لأن تعيين هاجل كوزير للدفاع يتطلب مصادقة مجلس الشيوخ الأمريكي والذي لا يتمتع الديمقراطيون فيه بالأغلبية الكافية. فإن هذا يعني أنه من الضروري أن يؤيد أعضاء جمهوريون في المجلس اختيار هاجل ليتمكن من تولي منصبه الجديد، ولهذا يتوقع أن يثير ترشيح هاجل حالة من الجدل المحموم في أروقة السياسة الأمريكية في الأيام القادمة. أما عن لجوء المحافظين الجدد، يدعمهم الجمهوريون، إلى يافطة "معاداة السامية" للتشهير بالمرشح الجديد بدلاً من الحديث مباشرة عن رغبتهم في استئناف سياسة التدخل بالقوة المسلحة في شؤون الآخرين، فيفسرها فشل تجربة التدخل الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان وبشكل لا يمكن حتى لصقور المحافظين الدفاع عنه أو تبريره، ومن ثم فإن محاولة انتقاد المرشح الجديد لإدانته هاتين التجربتين هي من الصعوبة بمكان، خاصة وأن هاجل كان جنديا محاربا، ولكنه رغم ذلك يؤمن بأن هناك طرقا أخرى لحل الأزمات الدولية بدلا من القوة. ولهذا تم العدول عن خطاب الهيمنة إلى الاتهام بمعاداة السامية وكراهية اليهود. إن الانحياز الأمريكي لإسرائيل لم يعد أمرا مثيرا للدهشة، كما لا يثير اختيار "مدى الولاء لإسرائيل" كمعيار للترقي في الوظائف المهمة مفارقة تستحق التوقف، فقد صارت هذه من العيوب المزمنة في السياسة الأمريكية، وليس مستبعدا أن تؤدي الانتقادات التي وجهها هاجل لإسرائيل في السابق بالإدارة الأمريكية إلى استبعاده لصالح مرشح آخر، (خاصة بعد تجربة سوزان رايس التي تخلت عن طموحها بتولي وزارة الخارجية خلفا لهيلاري كلينتون بعد معارضة عدد من كبار أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين لتوليها هذا المنصب). ولكن حقيقة ما يجري الآن على المسرح السياسي الأمريكي ليس متعلقا بمحبة إسرائيل كما يدعي المحافظون الجدد، ولكنه يتعلق أساسا بالرغبة في إعادة أجواء الحرب على الإرهاب، والتدخل المسلح فيما كانت إدارة بوش تسميه "الدول المارقة"، يضاف إليها حاليا رغبة اليمين المتطرف في استغلال أجواء الربيع العربي لتنفيذ سيناريوهات الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد. هذه الأجواء تستدعي من دول الربيع العربي تنبها خاصاً، إذ يتعين عليها أن تستغل النزعة اللاتدخلية للرئيس الأمريكي باراك أوباما، والذي وضح تفضيله الاهتمام بالشأن الأمريكي الداخل عن الانغماس في القضايا الدولية، في استكمال مؤسساتها الداخلية وهي تحت الحد الأدنى من الضغوط والتدخلات الأمريكية، خاصة أن هذه التدخلات يمكن أن تتضاعف لو نجح المحافظون الجدد في تأكيد حضورهم في المشهد السياسي، أو تمكنوا من استعادة زمام السيطرة على السياسة الخارجية وقضايا الدفاع، كما كان الحال في المرحلة المشئومة الموسومة بمرحلة الحرب على الإرهاب، والتي مازال الكثير من العرب يعانون من آثارها حتى اليوم.