22 سبتمبر 2025
تسجيلمع انتهاء الانتخابات التشريعية في مصر وبروز جماعة "الاخوان المسلمين" ككتلة كبرى رئيسية في مجلس الشعب الجديد، نقلت الولايات المتحدة انفتاحها على "الجماعة" إلى مستوى رسمي أرقى. ولم يكن لقاء مساعد وزيرة الخارجية وليام بيرنز الأول من نوعه، فالاتصالات مستمرة منذ شهور، من دون إغفال اتصالات سابقة حتى قبل الثورة المصرية، غير أن المشاورات الأخيرة أخذت في الاعتبار من الجانب الأمريكي ان "الاخوان" فرضوا أنفسهم على المشهد السياسي المشرذم والمشوّش كقوة حافظت على تنظيمها وتماسكها واستعدت لأن تكون نواة الحكم المقبل. يفترض بعد اكتمال عقد البرلمان أن تبدأ مصر مغادرة مرحلة الثورة إلى مرحلة بناء النظام الجديد، وبالتالي إعادة صياغة الدولة ومؤسساتها وفقاً للمفاهيم التي طرحتها الثورة، وبمقدار ما يشكل فوز "الاخوان" في الانتخابات نقلة نوعية في الحياة السياسية المصرية، بمقدار ما يبدو أن التحديات والمخاوف التي يطرحها هذا الفوز ستنعش حركات على أكثر من صعيد للتموضع والتكيف مع وجود "الاخوان" للمرة الأولى في الحكم.. ولعل الاجتماع الذي عقد برعاية الأزهر وحضرته أحزاب وشخصيات يريد أن يبلور توازنا والتفافا حول الأزهر باعتباره مرجعية وسطية غير حزبية مقبولة من جانب المجتمع. وفيما تزامن اللقاء الاخواني-الأمريكي مع وصول بعثة ضيوف النقد الدولي، تأكد أن التحدي الأول لأي حكومة مصرية خلال المرحلة المقبلة لابد أن يكون الوضع الاقتصادي، وأنه كان قبل الثورة وسيبقى بعدها نقطة ضعف الدولة، فالحديث يجري حالياً عن قرض ضروري وعاجل لدعم العملة وتجنب انهيارها، أما العجز في الميزانية فيستلزم معالجات أخرى، هناك وعود عربية وأوروبية للمساعدة إلا أنها تنتظر اتضاح الصورة، فأي مصدر للتمويل يريد أن يعرف إذا كان البلد شرع فعلاً في استعادة استقراره، كما يريد أن يعرف هوية الحكم الجديد. ولاشك أن الرأي الأمريكي حيوي، هنا، بل مفتاحي لمعاودة إضفاء الضمانات المتنوعة للحكم في مصر. ولن تختلف اللعبة عما كانت سابقا، أي طالما أن هناك حاجة إلى الاقتراض فلا أن يكون هناك استعداد – أو اضطرار – لرفع بعض "الفوائد" من الرصيد السياسي. حرص بعض مصادر "الاخوان" المصريين على التنبيه إلى استبعاد أي "شروط" مقابل أي قروض. وعلى ضرورة البحث في "البدائل" التي يقولون إنها "كثيرة" ومنها مثلاً إعادة تسعير اتفاقات الغاز خصوصاً مع إسرائيل التي تستورده حالياً بموجب اتفاق وتسعير خاصين لا يتماشيان مع حقائق السوق. لكن وجود حكومة انتقالية مضطرة لإدارة الشؤون المالية والاقتصادية، وبالتالي للتعاطي مع المؤسسات الدولية يساعد "الاخوان" على تأجيل انغماسهم في لجة المعالجات الاقتصادية، لكنه تأجيل لن يطول وسيجدون أنفسهم أمام التحدي وأمام التوقعات العالية للمصريين. لا شك أن التغيير الجذري الذي طرأ على الخريطة السياسية لمجلس الشعب يجلب معه أفكاراً ومقاربات جديدة سنحتاج إلى وقت لاختبار إمكانات تطبيقها على الواقع الصعب والمعقد بل زاد من تعقيده أن النظام السابق لم يتبع خططاً اقتصادية واضحة، والأسوأ أنه في حقبته الأخيرة أخضع التشريعات لمصالح رجال الأعمال وعصابات الفساد داخل مؤسسات النظام. وكما وجد "الاخوان" أنهم وقد اقتربوا من حمل مسؤولية الحكم، مضطرون للاعتراف بوقائع واتفاقات دولية ترتبط بها مصر وطالما انتقدوها وهم في المعارضة، فإنهم سيجدون أنفسهم وبسرعة مضطرين للانخراط في مسارات مبنية على تلك الاتفاقات، لذلك كرروا في الآونة الأخيرة إصدار التطمينات إلى أنهم لا يعتزمون نهج أسلوب الصدمات في المعالجة أو التغيير بل سيعملون على تصويب السياسات وتحسين أدائها، وفي هذا السياق، مثلاً جاء تأكيد رئيس لجنة السياسة الاقتصادية في "الجماعة" إنهم لا يريدون إلغاء اتفاق "الكويز" (المناطق الصناعية المؤهلة) الذي يتيح لمئات الشركات المصرية تصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة بمكونات إسرائيلية. في الفترة الأولى، وقد تطول أو تقصر بحسب التطورات الداخلية والإقليمية، سيكون على "الاخوان" الاكتفاء بإدارة السياسات السابقة محاولين ترصينها وترشيدها، وبالطبع تنزيهها عن أغراض الفساد التي كانت سائدة، وحتى هذا لن يكون سهلاً أو سلساً، بسبب تشابك الداخل مع الخارج في كثير من المجالات، أي أن التغيير المنشود لن يكون ممكناً إلا في المديين المتوسط والطويل، وليس في المرحلة الانتقالية التي يفترض أن ينجز خلالها الدستور الجديد الذي ستليه انتخابات تشريعية أخرى هي التي ستحدد المعالم الثانية للخريطة السياسية. غير أن "الاخوان" أدركوا أن للواقعية أحكامها ومقتضياتها، فما كان ممكناً ومتاحاً من منبر المعارضة سيكون متعذراً في سدة الحكم، ولهذا حاولوا أن يستبقوا اللحظة الحرجة بإجابات عن الاستفهامات التي ستطرح عليهم، سواء بشأن اتفاقات السلام مع إسرائيل التي لن يسعوا إلى إلغائها، وإنما إلى الممكن وهو تعديلها وفقاً لمتطلبات السيادة الوطنية. أو بالنسبة إلى التعامل مع الأقباط أو إلى أوضاع المرأة وغير ذلك من الملفات التي تقع على تماس واحتكاك بين الشريعة وتفسيراتها وبين الحريات العامة. كل ذلك كان موضع نقاش في اللقاء الاخواني-الأمريكي، ذاك أن الولايات المتحدة تعتبر مصر بلداً حيوياً في استراتيجيتها للمنطقة، وهي بَنَتْ علاقاتها مع القاهرة على أسس ارتضاها النظام السابق ومن الواضح أن الشعب المصري يريد تصحيحها، وهذا يتوقف على إرادة النظام المقبل وقوته والشرعية الشعبية التي سيتمتع بها، أما المراهنة على أن "تعيد الولايات المتحدة حساباتها وتغير سياساتها مع الشعوب بما يتناسب مع ربيع الثورات العربية"، وفقاً لرئيس حزب "الحرية والعدالة"، فمن الطبيعي المطالبة بها لكن يصعب التعويل عليها، إذ لم يسبق لإدارة أمريكية ان كانت قريبة من هذا "التغيير" في سياساتها كما بدت الإدارة الحالية، لكنها مع ذلك اضطرت بفعل ضغوط اللوبي الصهيوني إلى التراجع والانكفاء على نحو مخيب للآمال.