15 سبتمبر 2025

تسجيل

تونس المخضبة بالاحمرار.. هل تعود خضراء بالتنمية العربية

16 يناير 2011

إذا أردت أن تعرف ماذا في تونس فعليك أن تعرف ماذا أكلت اليوم أو ما حوته مائدتك من صنوف الطعام ليس لسد جوعك فقط بحثا عن دوام العيش أو قوام الحياة بل لتعرف كم هي ضانية لقمة العيش هذه وكم هي عزيزة بعيدة المنال عن أيدي البعض وأفواههم المعبرة عن جوع بطونهم وكرامة أنفسهم, والصورة من تونس الخضراء تأتيك الآن حمراء مفصلة بأبعاد مختلفة ومؤثرات مختلطة ما بين إنسانية واقتصادية ومزيج آخر من التفاعلات التي حركت الناس إلى الشوارع بحثا عن رغيف العيش وبعض الكرامة . أبو القاسم الشابي شاعر تونس الكبير وكاتب نشيده الوطني ربما سجل حضورا بين جموع المحتجين هناك وربما ألهب فيهم الحماسة نحو مطلبهم الفطري وفق قصيدته الخالدة. إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر فالشارع التونسي قال مقولته المشوبة بخليط من الدماء وأصوات الاحتجاج محققا "بثورة الخبز" أسرع نصر للإرادة العامة بحثا عن شيء من الكرامة ورغيف العيش اليومي الذي عز على البعض هناك حيث نسب البطالة التي تطاول الـ 30 في المائة "حسب التقديرات الإعلامية التي واكبت الحدث الأخير" من بين عموم تعداد الشعب المناهز لـ 11 مليون نسمة والذي حركته تداعيات الأزمات العالمية وتنامي ثقافة الاحتجاج التي تبدت بكثافة مؤخرا إثر الإحساس بالإحباط من وعود النخبة ورموز السياسة والبروز العلني للتجاوزات والفساد في بلد يتبنى سياسات اجتماعية واقتصادية متباينة يعتمد على نزوح جزء من طاقة العمل ومخرجات التعليم فيها إلى دول أوروبا فكانت أزمة الرهن العقاري بظلالها وتبعاتها معوقا لاستيعاب المزيد منهم في سوق العمل هناك بل وعودة الكثيرين إلى أوطانهم المغاربية بحثا عن العمل والعيش الكريم في بلدانهم التي تعاني أساسا من مشاكل اقتصادية جمة تؤكدها ملامح التنمية الضعيفة والمؤرقة بثقل بالديون العامة وأحجام البطالة وغياب الدور التنموي العربي المؤثر هناك, في تونس تحرك الشارع بحثا عن لقمة العيش لبناء قاعدة لحاجاته حسب هرم مازلو, ورغم هشاشة القاعدة إلا أن الشعب يحملها الطموحات والآمال للظفر بأكثر من الرغيف وسد الجوع, وكأن ساعة الصفر وموجات الضغط قد بدأت فـ "الجوع كافر" كما يقولون ونتائج الحالة وظروفها غير محسوبة المدى, كتبت ما تقدم قبل خبر تنازل الرئيس بن علي عن السلطة حسبما أعلن مساء الجمعة الماضي وفي هذا تحقيق لإرادة الشعب كما عبر عنها الشابي وجسدها الشارع الباحث عن الحرية والكرامة, فنبارك للشعب التونسي نيل إرادته بعد أن مل الوعود وضاق ذرعا بالقيود, وأعتقد هنا أن بلدا بحجم تونس واقتصادياتها لا تستطيع مواجهة الموقف بالتدابير المعلنة وقوة المواجهة وجملة التغييرات المصاحبة للحدث وأعني تحديدا المشاكل الاقتصادية وتبعاتها, فمن جانب يجب أن يتحمل الشعب مسؤوليته التاريخية الآن حتى لا تكون الظروف مرتعا سهلا لبعض المغرضين لجر البلاد إلى ما لا يطاق أو ما لا تحمد عقباه أو قد تكون فرصة سانحة لتدخل القوى الخارجية, فالمهمة السياسية لإعادة استقرار البلاد مناطة بالشعب التونسي وقدرات نخبه المؤهلة للمهمة ويبقى حسب تصوري كعربي المهمة الاقتصادية المؤملة لرفد المسيرة وهي مهمة عربية تستلزم التفاتة من مراكز القرار ومآمير الصناديق الاستثمارية السيادية العربية حيث لا يزال حجم الاستثمار العربي هناك محدودا ضمن جملة الاستثمارات الأجنبية البالغة 1.7 مليار دولار عام 2010م يمثل الاستثمار العربي منها فقط 38.6 في المائة وهو ما يدعو إلى ضرورة السرعة بالوقوف عمليا مع تونس لتعزيز قدراتها الاستثمارية واستيعاب طاقة العمل المتنامية بين سكانها وتفعيل موازين التبادل التجاري العربي مع سوقها تحقيقا للتنمية العربية البينية وواجباتها القومية, فلا تزال الكثير من القدرات الاستثمارية العربية دون الحجم المطلوب هناك وفقا لنتائج الأرقام الاقتصادية المعلنة في السنوات الأخيرة رغم تمتع البلاد بالجواذب الاستثمارية المتنوعة والتسهيلات المقدمة من جانب الاقتصاد التونسي وحاجته الملحة للمزيد من التدفقات النقدية لحفز فعالياته على المزيد من النمو والتوافق مع متطلبات المرحلة وأحجام النمو في السكان وزيادة الأسعار في السوق العالمية لاسيما في جانب الحاجات الغذائية التي تفرض على السكان حالة من السخونة والغليان بحثا عما يسد حاجتهم, وإذا كنا نتحدث في هذا الموضوع الآن تجاوبا مع مشهد التونسي وتغييراته وننشد الهمم والقدرات العربية للمساهمة في الحلول والمعالجات فلا يجب بأي حال أن يكون الدور العربي مدعوا بالمفاجأة فقط وتبني دور الإطفاء أو المجاملة الآنية إذ يجب آن يكون هذا الدور مبرمجا وفق خطط استشرافية مدروسة تشتمل كل المجتمعات العربية وحاجاتها لا أن ينتظر فقط أصوات الاحتجاج أو الاقتتال العنيف في الشوارع من أجل رغيف العيش وفرص العمل, وأخيرا نؤمل في العمل العربي من أجل كل العرب وتنميتهم ومن أجل تونس الخضراء قبل آن تتخضب بالمزيد من الاحمرار الدموي. [email protected]