12 سبتمبر 2025
تسجيلانطلقت أفكار التحرر من الظلم والكبت والطغيان من عقالها، وانكسر القيد التليد، وانجلى الليل المدلهم الدامس، وسطر الشعب التونسي معالم ملحمة جديدة وثورة جامحة أطاحت بنظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي أذل الشعب، وأفقر البلد الأخضر وأحاله إلى صحراء سياسية جرداء ضمت في سهوبها كل ألوان القمع، والعسف، والطغيان والجبروت والطاغوت والطاعون القاتل. لم يع بن علي دروس الثورات البرتقالية التي عصفت ببعض دول البلقان، كما لم يستفد من تيارات التحرر من الظلم، ومقاربات حقوق الإنسان، وجموح العولمة، ورياح التحرر التي اجتاحت البلدان التي يتحكم فيها الزعيم الأوحد "الملهم" غير عابئ بهموم الشعب، وتطلعاته المشروعة، وأمانيه في العيش الكريم، وتوقه للعزة والكرامة والحرية.. وتمجيد الإنسان. بن علي الذي أسس دعائم نظامه الغاشم في أعقاب إزاحة الرئيس بورقيبة، اقتفى آثار زعماء القرن السابع عشر، بإزاحة وتصفية الخصوم السياسيين، وإرساء نظام وهمي، وتمثيل نيابي فج، وانتخابات مزورة ومذرية كل هذه التحوطات باءت بالفشل الذريع ولم تقف حائلاً دون ثورة الجماهير التونسية من أجل إحقاق الحق، وإبطال الرئاسة القائمة على استعراض الرجل الواحد.. مهما بلغت حماية النظم الغربية ودعمها غير المحدود المتآمر والماكر. الانتفاضة التونسية الميمونة التي أزاحت نظام الرئيس بن علي من سدة الحكم، يتوجب أن تلقن درساً جل الأنظمة العربية التي تمجد حكم الفرد، وتتجاهل وتزدري إرادة الشعب، ومستقبل الأوطان، وحرية التعبير وأسس المشاركة الشعبية في الحكم، وسيادة القانون، والتداول السلمي للسلطة. صحيح أن الأزمة المالية العالمية قد ألقت بظلالها الظالمة على الشعب في البطالة، وارتفاع الأسعار وتدني أسلوب الحياة، لكن الأصح من ذلك أن الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم عام 2008 أصبحت من الظواهر المسكوت عنها في وطننا العربي إلى أن استفحلت وشبت، وشابت لها رؤوس الولدان.. ومع كل ذلك لم يتخذ صناع القرار قرارات وإجراءات تحد من قوتها وعنفها وجبروتها. الآن، بدأت روح جديدة تسري في كل أرجاء الوطن العربي، الجزائر، موريتانيا، السودان، الأردن، اليمن، ومصر وغيرها. والآن أيضا.. لم يعد مفهوم حراسة البوابة، وتكميم الأفواه، وحجر التحرك ومنع نشر الأفكار المناهضة ممكنا مع جموح وسائل الاتصال الاجتماعية الجديدة، الفيس بوك، واليوتيوب، والتويتر والهاتف النقال والمدونات فقد ساهمت هذه الوسائل المسماة الإعلام الجديد أو الشبكات الاجتماعية في تحقيق درجة عالية من التشاركية في المعلومات والأفكار، مما يجعل وسائل الاتصال التقليدية المملوكة للأنظمة الحاكمة غير قادرة على مواجهة طوفان الإعلام الجديد وعاجزة عن حماية الحاكم المطلق. ثورة الكرامة التي أينعت ثمارها في تونس، سوف تعم الآفاق، وتقصي مظاهر حكم الفرد.. لأن الشعب يريد أن يفكر بحرية، ويتكلم بلا قيود، وينتخب بلا تزوير أو وصاية، ويشارك في الحكم أملاً في تحرير الذات المسلوبة والحقوق المصادرة.