10 سبتمبر 2025

تسجيل

الذباب الإلكتروني والأقلام المأجورة

15 ديسمبر 2018

توظيف جيش إلكتروني ضخم ووكالات علاقات عامة دولية وتنظيم مؤتمرات وشراء ذمم بعشرات الملايين من الدولارات من أجل حملات دعائية مغرضة ومن أجل تشويه الواقع وإخفاء الحقيقة ونشر الأكاذيب والتضليل والتزييف. والهدف كسب الرأي العام المحلي والدولي وإخفاء أعمال الغطرسة والعنجهية وكل ما ينافي القيم والأخلاق والمبادئ المتعارف عليها دوليا وحقوق الإنسان. قضية خاشقجي كشفت أن الغاية تبرر الوسيلة وكل شيء مباح من أجل تبرئة ولي العهد السعودي وإبعاد مسؤولية العمل الهمجي البشع عنه. الحقيقة ستظهر إن عاجلا أم آجلا والتاريخ علمنا أن الجرائم سيسجلها التاريخ وللأبد. المتأمل في تعامل الإعلام القطري وإعلام دول الحصار مع الأزمة الخليجية يلاحظ مفارقات عديدة وتجاوزات صارخة في حق شعوب المنطقة وشعوب العالم. فخلال سنة ونصف عاش المشاهد والقارئ الخليجي مرحلة تاريخية من انحطاط وتدهور وانجراف أخلاقي ومهني لا مثيل له من قبل إعلام دول الحصار. كما خاب ظن الكثيرين في النخب المثقفة في كتاب ومحللين كثر انحازوا إلى الحصار الغاشم وإلى الدعاية والتضليل والتعتيم والفبركة والظلم والاستبداد بدلا من الانحياز إلى إطفاء نار الحقد والكراهية والغدر بين الإخوان. فبدلا من المطالبة بالتبصر والعقلانية والنضج السياسي والدبلوماسي لاحظنا طوفانا من الرسائل الإعلامية التي تصب الزيت على النار وهذا منذ ليلة اختراق وكالة الأنباء القطرية وحتى لحظة كتابة هذه السطور. ومع الأسف الشديد ما زال إعلام دول الحصار وإلى حد كتابة هذه السطور يمارس منهج الكذب والتضليل والتعتيم والنفاق والتجريح والقذف وما زال ينفق مئات الملايين من الدولارات في حرب دعائية مآلها الفشل. فالمنظومة العالمية والدول الفاعلة في النظام العالمي اعترفتا بأن الحصار الغاشم على قطر هو حصار بدون مبرر ومجرد اعتداء سافر على دولة لا علاقة لها بالإرهاب وبادعاءات دول الحصار التي وظفت الإعلام والذباب الإلكتروني والأقلام المأجورة من اجل كسب عقول شعوبها وكسب الرأي العام في المنطقة وفي العالم. دول الحصار اعتبرت الحرب الإعلامية والجيش الإلكتروني هدفا لإقناع الجمهور. استخدمت جيوشا من الضيوف كانت جاهزة في قنوات دول الحصار لمهاجمة قطر. فمنذ الوهلة الأولى من اختراق وكالة الأنباء القطرية كانت استوديوهات قنوات دول الحصار جاهزة تماما، بعد ثوان من فبركة تصريحات لسمو الأمير، حيث كان «الخبراء» و»المحللون» جاهزون لشيطنة قطر وجعلها دولة مارقة، منبوذة، لا تريد اية دولة في العالم التعامل معها. كما كانت صحف دول الحصار في اليوم التالي مليئة بالدعاية والتضليل والتعتيم في حملة لا مثيل لها للهجوم على قطر، رغم أن غالبية الصحف تسلم للمطابع بعد منتصف الليل، وهذا يدل على أن الأمر كان معدا له مسبقا. من جهة أخرى وظفت دول الحصار جيشا من المغردين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي لشن حرب إلكترونية عشواء لم يسبق لها مثيل للنيل من قطر وشتم قادتها وشعبها. أما ظاهرة الذباب الالكتروني فهي ليست جديدة على خبراء الدعاية والتضليل فقد تم توظيفها في الأزمة بين قطر والإمارات في العام 2012 قبل أزمة 2014، وكانت الحسابات الوهمية تتزايد أعدادها يوما بعد يوم، وهذه الحسابات كانت توجه القذف والتشهير والاتهامات بشكل متواصل. في المقابل نلاحظ أن الإعلام القطري وعلى غرار تصرف وسلوك دولة قطر وتعاملها بهدوء وحنكة وحكمة وتبصر التزم بالمصداقية وعدم الإساءة للرموز والمساس بالأعراض. وهنا نلاحظ أن دولة قطر تعاملت مع الأزمة بشكل عقلاني. فكما اكد الشيخ عبدالرحمن بن حمد، الرئيس التنفيذي للمؤسسة القطرية للإعلام، فإن «المنهج الإعلامي لقطر أخلاقي ومهني وبعيد عن الإساءة، وأن وسائل الإعلام القطرية لم ترد على الإساءة بالإساءة، ولكن كانت مهمة الإعلام تزويد الجمهور بالمعلومات الصحيحة في مواجهة أكاذيب دول الحصار ورغم عملية اختراق وكالة الأنباء القطرية والتي تعتبر جريمة إلكترونية يعاقب عليها القانون الدولي التزم الإعلام القطري بمختلف وسائله بمبادئ كانت موجودة عند المسؤولين القطريين قبل الأزمة، وأولها المصداقية، وعدم الخوض في الرموز، وعدم التطرق إلى أي نوع من الإساءات، وكذلك عدم استخدام المنابر الإعلامية لتوجيه الإساءة سواء تجاه الرموز أو الأعراض، أو حتى إدخال الفن كأداة للإساءة مثلما فعلت دول الحصار. مع الأسف الشديد وظفت دول الحصار الفنانين ورجال الدين والأئمة والفقهاء لتمرير أكاذيبها وتبريراتها الواهية لحصار جائر وغاشم. تعامل قطر مع الأزمة كان عقلانيا، في المقابل نلاحظ أن دول الحصار اعتبرت الحرب الإعلامية هي الهدف، وانتصارهم في إقناع الجمهور العربي والخليجي أو حتى الجمهور الداخلي، عبر استخدام الأغاني المسيئة والتطرق إلى الأعراض، وأيضا استخدام الأطفال في بعض المسلسلات التي أنتجتها دول الحصار، وكل هذا في نهاية المطاف لا يجعل قضيتهم على حق، فكثرة أصوات ومنابر الباطل لا تجعل منه حقيقة. المعلومات الصحيحة والحقيقية هي التي يكتب لها النجاح بعد مرور الأيام والشهور والسنوات. الإعلام القطري اعتمد على الأدلة والجج والبراهين لإبراز الحقيقة وتقديمها للرأي العام. فبكل مهنية وحرفية قام الإعلام القطري بتحليل اتهامات دول الحصار، وحللها وأبرز التناقضات التي كانت تطغى على مجملها كاتهام قطر بأنها تدعم الأحواز وفي نفس الوقت تدعم حكومة إيران، وهناك اتهام آخر بأن قطر تدعم حماس وفي نفس الوقت تتعامل مع إسرائيل، وكل هذه الاتهامات متناقضة تماما وخالية من المنطق وهذا يعني أن الحصار الغاشم ليس مبنيا على أسباب منطقية وسليمة. على العكس نلاحظ ان الإعلام القطري كان مهنيا وحرفيا في تعامله مع الحصار وكل ما كان يقدمه كان مبنيا على الاستقصاء والبحث والتحريات والأرقام والأمثلة. فقناة الجزيرة على سبيل المثال لم تستعمل أسلوب الحرب النفسية والدعائية سواء تعلق الأمر بالأخبار أو التحقيقات أو التقارير أو الحوارات. فالقناة كانت تلتزم بتقديم الحقائق المدعمة بالإحصاءات والشهادات والصور وكانت تقدم منتجها وفق المعايير المهنية والأخلاقية. أقل ما يمكن قوله حول إعلام دول الحصار وتعامله مع الأزمة الخليجية هو أنه لم يخرج من عباءة السياسيين الذين اخترقوا الأعراف والقوانين الدولية ابتداء من اختراق وكالة الأنباء القطرية إلى فرض حصار بدون دواع وبدون أسباب منطقية وواقعية. فالإفلاس السياسي لدول الحصار انعكس على الإفلاس الإعلامي الذي أسقط الأقنعة من على أوجه أشبه الصحافيين والإعلاميين والفقهاء ورجال الدين والمثقفين والمنظرين للفساد وأعداء الشعوب البريئة التي لا حول ولا قوة لها. شعوب حرمتها الأنظمة الطاغية من صلة الرحم ومن التمتع بحرية الانتقال وحرية الفكر والتعبير والاختلاف في الرأي.