19 سبتمبر 2025
تسجيلإن جئت كزعيم أو قائد أو رئيس أو وزير أو مدير إلى آخر قائمة المسؤولين، وأردت إحداث تغيير معين في المساحة التي تسيطر عليها أو تلك التي تقع تحت مسؤوليتك، فكن بادئ ذي بدء، وقبل أن تشرع وتنطلق في مشروع التغيير عندك، على يقين تام أن هناك من سيعارضك في فكرتك أو رأيك أو مشروعك. إن وجدت ذلك، ولابد أن تجد بصورة وأخرى، فاعلم ابتداءً أنه لا شيء في ذلك مطلقاً، باعتبار أن البشر مختلفون في طبائعهم وأمزجتهم وأفكارهم، وبالتالي ستجد من يختلف معك دوماً، طالما كنت في مجتمع بشري، وإن كانت هذه ليست مشكلة في حد ذاتها، ولا تحتاج ذاك الوقت والجهد في ابتكار طرق القمع، بل بدلاً من ذلك تحتاج لمهارة رئيسية مهمة تتمثل في كيفية كسب المعارضين، وتحويل معارضتهم لقوة دفع إضافية لمشروع التغيير عندك، بدلاً من أن تتحول قوة معارضتهم لكوابح وموانع تعوق البدء في مشروعك.. التغيير عملية سلوكية في المقام الأول. حيث على قائد التغيير أن يحسن معاملة من يقفون في وجهه، لأنهم بكل بساطة مجموعة من البشر، تتمتع كما هو يتمتع، بعقول ومشاعر وأمزجة، والتي لابد أن بها حيزاً من الخير، على افتراض اتساع حيز الشر بها.. وإن التحدي الحقيقي للزعيم صاحب مشروع التغيير، هو في الوصول إلى ذلك الجزء الخيّر عند معارضيه، واستثماره بما يعود بالنفع عليهم وعلى المشروع التغييري بشكل عام. إنك باستثمارك الصحيح لتلك الجزئية الخيّرة في معارضيك، يمكنك الانطلاق إلى أبعد من ذلك بشكل تدريجي حتى تصل إلى نقطة الولاء، التي ان وصلتها، فقد نجحت في الاستمرار كزعيم، قبل أن تنجح في مشروعك.. التعامل مع المخالف فن يتطلب مهارة فائقة لابد من توافرها فيمن ينصب نفسه زعيماً أو قائداً يطرح مشروعات تغييرية.. ولنا في سيرته العطرة – صلى الله عليه وسلم - الكثير من المواقف التي لو كان أحد غيره واجهها، لغضب لنفسه كثيراً. لماذا؟ لأنها كانت خارج نطاق الصبر والتحمل البشري.. وخذ على هذا قصة رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول معه صلى الله عليه وسلم، يوم أن قال ( ليخرجن الأعز منها الأذل) ويقصد بالأعز نفسه.. ثم كيف اندفع ولده عبدالله ليغضب لرسول الله ويقتل أباه بنفسه. لكنه صلى الله عليه وسلم رفض ذلك بشدة، رغم ضرر ابن سلول البالغ على الإسلام والمسلمين في تلك الفترة، وهم بعدُ في فترة البناء وبداية طريق طويل صعب.. ما فائدة أن يسمح الرسول الكريم بقتل منافق، ولو كان مؤذياً للإسلام والمسلمين، أو منافق آخر مثله مدفوع لتشويه سمعة رأس الدولة يومئذ، وهو الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام؟ إنه لم يغضب لنفسه مطلقاً ولكن كان يغضب لله.. ومن هنا لم ينصت ولم يسمح لولد عبدالله بن سلول أن يقتل أباه، بل قال له: لا، ولكن بر أباك، وأحسن صحبته ! هكذا بكل بساطة ووضوح رؤية. وبالمثل نجده صلى الله عليه وسلم يرد طلب الفاروق عمر حين سأل أن يقتل ذاك الذي اتهم رسول الله في أمانته يوم توزيع الغنائم بعد معركة حنين. فقال له: دَعْه، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.. من هنا يتبين لنا أهمية التوجيه الصحيح في كيفية التعامل مع المخالف، وهو ما نفتقده اليوم عند أصحاب القرار والسلطان والبأس في كثير من الأقطار، لاسيما العربية منها.. فإن أسهل ما يمكن أن يتخذه أي صاحب قرار اليوم مع مخالفيه أو منتقديه، هو قهرهم بأي وسيلة ممكنة، أو منعهم مما هم فيه وعليه، أو سجنهم أو نفيهم أو حتى قتلهم شر قتلة. وما جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي إلا نموذجاً واحداً ضمن آلاف غيره من المعارضين، الذين كان حيز الخير عندهم واسعا رحباً، ولكن رغم ذلك أبى الزعماء ذلك، فإما الخضوع التام والركوع أو التغييب عن الحياة، نفياً أوسجناً أو قتلا! إن النوعية تلكم من الزعماء المتغطرسين، الذين ربما غرتهم قوتهم في لحظة ما، ورؤيتهم لكثرة الأتباع المنافقين والمتسلقين والمنتفعين، جعلتهم يعتقدون في أنفسهم ما اعتقده في لحظة زمنية ومكانية ما، فرعون موسى ونيرون أو موسوليني وهتلر وأمثالهم كثير كثير في الغرب والشرق والشمال والجنوب. ألا فليعلم هؤلاء الزعماء وخاصة المسلمين منهم، أن هذا الشعور أو فعل الغطرسة والتجبر والتكبر وظلم الناس، إنما يرسم أحدهم نهاية له بائسة ذليلة، وهي واقعة لا محالة في العاجلة قبل الآخرة. والحديث بالمثل موجه لمن يعطل حواسه وعقله ويتبع أهواء غيره، ويغتر بالكثرة وبالمال والقوة المادية عند أولئك الزعماء، فيقرر الدوران في فلكهم دون قليل تأمل لخطورة الانقياد وراء الغير. دون تبصرة وتأمل للنتائج والمآلات، التي غالباً لن تكون سعيدة ولا محمودة.. وللأسف أن هذا الانقياد الأعمى هو ما يشجع ويعزز أولئك الزعماء في الاستمرار على نهجهم، منطلقين من وهم وغرور السيطرة وهم يرون أعداد متابعيهم يزدادون، فيتجبر أحدهم ويتكبر ويستمر على نهجه ويزداد غياً، حتى تكون نهايته أليمة، حيث الحسرة والندامة.. يوم أن يبدأ أولئك الزعماء وأتباعهم بلوم بعضهم البعض في أبأس مكان سيكون في الوجود.. نار جهنم والعياذ بالله. يوم ترتفع أصوات الأتباع ( وقالوا ربَّنا إِنَّا أطَعنا سَادَتَنا وكُبَرَاءَنا فَأضلونا السَّبيلا * رَبَّنا آتِهم ضعفين من العَذاب والعَنهُم لعناً كبيراً ).. ولمثل تلكم اللحظات البائسة، ندعو أي زعيم أو تابع عطّل عقله وبهما ذرة إيمان أن يتأملا تلك اللحظات البائسة، فالحياة أقصر من أن يعيش زعيم ظالماً متجبراً أو تابع ينافح ويدافع عن زعيم لا يؤمن بيوم الحساب، وأي حساب يومئذ.. نسأل الله لنا ولكم العافية.