17 سبتمبر 2025
تسجيلقبل أسبوع التقى في القاهرة رؤساء مصر واليونان وجمهورية قبرص، التي يختصرها القسم الجنوبي اليوناني من الجزيرة والمعترف به على أنه الممثل الشرعي الوحيد لكل الجزيرة.نورد هذا التعريف لموقع قبرص القانوني نظرا لارتباطه بمجريات التطورات المتصلة بمنطقة شرق المتوسط والعلاقات بين هذه الدول وتركيا.لكل من هذه الدول الثلاث مشكلات مع تركيا..مصر هي آخر الدول الثلاث التي دخلت في علاقات توتر مع تركيا، وفي العصر الحديث خلال القرن العشرين ولاسيَّما بعد الحرب العالمية الثانية. كانت علاقات مصر ولاسيَّما خلال فترة جمال عبدالناصر في غاية التوتر مع أنقرة التي كانت عضوا فاعلا في الأحلاف الغربية التي أنشئت في المنطقة لمواجهة حركات التحرر الوطني ووقف تقدم المد القومي العربي. وكان دور تركيا سلبيا جدا. ومع بدء "الربيع العربي" كانت تركيا من أوائل الدول وعلى لسان رئيس الحكومة حينها رجب طيب أردوغان التي دعت إلى تنحي الرئيس المصري حسني مبارك. غير أن التوتر الأبرز والأخطر جاء بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين بعد 30 يونيو ومن ثم انتخاب عبدالفتاح السيسي رئيسا جديدا لمصر بعد اعتقال الرئيس محمد مرسي. وقد رفضت تركيا الاعتراف بشرعية الرئيس الجديد معتبرة أنه جاء بانقلاب عسكري ولم يوفر أردوغان منبر الأمم المتحدة الشهر الماضي لكي يشن حملة شعواء على السيسي، بل إن الحملات على السيسي في الداخل التركي من قبل الصحف المؤيدة لحزب العدالة والتنمية عكست التطورات في مصر كما لو أنها شأن داخلي تركي. ووصلت بذلك العلاقات بين أنقرة والقاهرة إلى مستوى من السوء لم تعرفه من قبل في أي مرحلة.أما العلاقة بين تركيا واليونان فهي علاقات يختلط فيها العداء التاريخي بالديني بالقومي وبالتنازع على الجغرافيا برا وبحرا وجوا. وهي نموذج لعلاقات مخضبة بالدم منذ الاحتلال العثماني لليونان وصولا إلى الخلافات اليوم على عدد كبير من العناوين. ومع أن العلاقات شهدت انفراجات في عهد حزب العدالة والتنمية غير أنها لم تعرف تقدما نوعيا في أي من الموضوعات الخلافية الأساسية بين الطرفين.وفي حالة قبرص فقد باتت امتدادا للصراع التركي- اليوناني حيث تنازعت الغالبية اليونانية في الجزيرة مع الأقلية التركية وانتهى الأمر إلى احتلال تركيا للجزء التركي في العام 1974 في عهد حكومة بولنت اجاويد ونجم الدين أربكان، أي في عهد رمزي العلمانية والإسلام في تركيا ما يعكس توجها قوميا تركيا واحدا وموحدا في الموقف من التطورات في قبرص. ومنذ ذلك الحين والجزيرة مقسمة لكن العالم والأمم المتحدة لا يعترفون بالقسم الشمالي على أنه جمهورية مستقلة (لا تعترف بها سوى تركيا). ومن هنا فإن النزاع على الواقع القانوني للجزيرة هو الخلاف الأبرز بين أثينا وأنقرة.غير أن بدء اكتشاف كميات ضخمة من الغاز في شرق المتوسط في الحدود المائية لكل من قبرص واليونان وإسرائيل وسوريا ولبنان نقل العلاقات والتوازنات بين هذه الدول والقوى إلى مرحلة جديدة من التعاون والتنافس في الوقت نفسه. وإذا كان أبرز خلاف هنا هو بين إسرائيل ولبنان حول المناطق المتجاورة بينهما في البحر، فإن الخلاف الأكثر قابلية للاشتعال هو مضي قبرص اليونانية في التنقيب عن النفط والغاز في كامل الحدود البحرية للمياه القبرصية بما في ذلك المياه التابعة للقسم الشمالي التركي في الجزيرة وهو ما اعترضت عليه تركيا معتبرة أن السيادة القبرصية الجنوبية تخص فقط القسم الجنوبي وليس الشمالي ونجحت تركيا في منع قبرص اليونانية من المس بالحدود الإقليمية البحرية لقبرص التركية. وهنا بدأت أزمة عنوانها السيادة ولكن مضمونها الصراع على النفوذ في شرق المتوسط بين كل من اليونان وقبرص وإسرائيل من جهة وتركيا من جهة أخرى خصوصا بعدما وقعت قبرص كما اليونان اتفاقيات مع إسرائيل عسكرية ونفطية تقضي بحماية عسكرية وأمنية إسرائيلية لحقول النفط القبرصية المكتشفة وهو ما يعني تصدي البحرية الإسرائيلية لأي محاولة تركيا لمنع قبرص اليونانية من التنقيب عن النفط والغاز.الجديد اليوم هو انضمام مصر لهذا التحالف من خلال مؤتمر القمة الذي عقد الأسبوع الفائت بين مصر واليونان وقبرص اليونانية على مستوى رئاسي وهو ما له دلالاته والذي انتقد تركيا على تدخلاتها في الشأن القبرصي. ينقل هذا التحالف الجديد بين الدول الثلاث، برأينا، الصراع مع تركيا إلى مستوى جديد ينذر بمرحلة جديدة صعبة على تركيا التي يتناقص أصدقاؤها وحلفاؤها في شرق المتوسط والمنطقة ككل، ناهيك عن التوتر المفتوح مع واشنطن بشأن عين العرب/كوباني. وهو ما يوجب على حكومة أحمد داود أوغلو والرئيس التركي أيضاً أن يعيدوا النظر في العديد من جوانب سياستهم الخارجية التي تمضي نحو عزلة شبه كاملة ترضي عدوا لكنها لا تسر صديقا.