31 أكتوبر 2025
تسجيلقبل أيام كان هناك حديث عن إمكانية أن يكون زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي قد قضى في غارة جوية نفذتها قوات التحالف في الأراضي العراقية.. خرج من تحمس لرواية مقتل البغدادي أن تنظيم داعش انتهى إلى غير رجعة.. خرج البغدادي يوم الأربعاء بحديث صوتي جديد بعنوان "ولو كره الكافرون" يؤكد أن التحالف مصيره إلى الفشل، وأن دولته تتمدد نحو السعودية واليمن بعد العراق وسوريا.. المثير للغرابة أن التنظيم وبعد أزيد من شهر على ضربات قوات التحالف يسير بخطوات ثابتة وإن كانت بطيئة أحيانا نحو تثبيت دولته عبر توفير كل ما يستلزم قيام الدولة من موارد وطاقات غير آبه بكل هذا الغضب الدولي الذي يثيره!لم يكن تنظيم القاعدة الذي واجهته الولايات المتحدة وتحالفها بعد العام 2001 بهذا الازدراء الذي يمارسه تنظيم داعش اليوم.. حاولت القاعدة أن تتنصل من هجمات 11 سبتمبر وتنكرت لها إلى أن تم ضربها في أفغانستان، حينها خرج أسامة بن لادن يبارك تلك العمليات ويتحدث عن رجالها.. بعد سنوات على تلك الحادثة حاولت القاعدة أن تحييد الدول الأوروبية في صراعها مع الولايات المتحدة، ودعتها إلى هدنة وكانت القاعدة مستعدة لذلك لو أن الأوروبيين رغبوا بذلك.. على العكس تماما يقوم تنظيم الدولة الإسلامية اليوم، ففي كل خطاب جديد يقدمه أميره، وفي كل ممارسة تنسب له في العراق أو سوريا، لا يلوي التنظيم على شيء، يسير نحو هدفه حتى لو كان فيه نهاية وجوده، ما يزيد الأمور غرابة أن الذكاء العسكري الذي يظهره في المعارك لا ينعكس على خطابه السياسي بتاتا، فهو كالفيل الذي دخل حقل ذرة، يكسر عيدانه كيفما تحرك، وهو ما يزيد في غيظ صاحب البستان.. هل تثير سلوكيات التنظيم غير ذلك عند الغرب والشرق؟داعش أشبه بالنار المتقدة، كلما حاولت إطفاءها كلما اتقدت ألسنتها.. والسبب في ذلك قد يكون الحل المتبع في مواجهتها، إذ يقتصر على الخيار الأمني فقط.ويبدو أن هؤلاء لن تردعهم كل أساليب الملاحقة من تحقيق مرادهم في إقامة دول يرون أنها إسلامية.فقد اكتسب هؤلاء خبرة واسعة بعد طول المعركة التي خاضتها تيارات الجهاد العالمي ضد أعدائها، وهي تأثرت كغيرها من التيارات والأحزاب بالأحداث التي هزت المنطقة والعالم، فتوالدت من جديد وخلقت طروحات جديدة. وقد تحول مركز الثقل الجهادي من خارج العالم العربي إلى قلبه، وبات تنظيم الدولة الإسلامية يرث تاريخ وثقل تنظيم القاعدة. التيار الجهادي العالمي هو اليوم في قلب العالم العربي وفي أوسطه العراق وسوريا وهو يسعى لربط فروعه ببعضها والتمدد وسط هذا الاضطراب والتغييرات الحادة. وهي لحظة تاريخية مثلى قد لا تتكرر في المستقبل القريب. وقد استثمر التيار الجهادي هذه التحولات ووظّفها لصالحه تماما، وهو يخطو خطوات واسعة نحو تحقيق مشروعه دون تردد وبمقومات لم تتوفر له من قبل.والمشهد العام في الشرق الأوسط يمر بتحولات عميقة لم تألفها المنطقة منذ تشكيلها الحديث، وهذه التحولات لابد من أخذها بالاعتبار حين مقاربة مستقبل الإسلاميين والجهاديين والتنبؤ بمسار الأحداث في عموم المنطقة.من هذه التحولات أن نفوذ الولايات المتحدة الذي ورث كل التركة الاستعمارية الأوروبية في دول المنطقة ودام لعقود هو إلى انكماش بنفس الطريقة التي انكمش فيها النفوذ الأوروبي، كما تتراجع سيطرة الدولة المركزية العربية تزامنا مع صعود القوى القبلية والمذهبية داخل بنية المجتمع الواحد.وما يزيد الطين بلة أن ظاهرة التشدد والانطواء القومي والديني لم تعد حكرا على المجتمعات الإسلامية ولا العربية، هي موضة العصر اليوم، فالانتخابات البرلمانية التي أجريت في الدول الأوروبية بدءا من العام 2010 إلى اليوم، أغلبها أتت بأصحاب التوجهات القومية ممن يؤثرون ثقافاتهم الخاصة على الانفتاح على غيرهم من الشعوب.