11 سبتمبر 2025
تسجيليصور الكاتب القطري جمال فايز حياة المسحوقين والمشردين في روايته (شتاء فرانكفورت) بصفحاتها الـ (١٥٠) من القطع المتوسط، وقد صدرت عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع في الأردن/٢٠٢١م. هي رواية شائقةٌ، سهلةٌ، منسابةٌ، بطلها أو ضحيتها الطالب أحمد ذو الواحد والعشرين عاماً الذي يريد السياحة لأربعة أيام في الأجواء الشتوية الباردة في مدينة فرانكفورت الألمانية، فإذا به يقع ضحية تسليب من عصابة هاوية من الفتيان تتكون من شخصيات متنمرة (آيدن، وتايلر، ودانيال) فيفقد كل ما بحوزته من مستمسكات رسمية، وجواز سفر، ونقود، وملابس. لعلَّ من أهم ميزات الكاتب جمال فايز سبره لأغوار الشخصية، وفهمه لتحولاتها، ودعوته إلى قبول الآخر كما هو فلا توجد عنده شخصية مثالية فضلاً عن نظرته الإنسانية الشاملة، فلا توجد شخصية شريرة أو خيّرة مائة بالمائة، أو ذات بعد واحد، بل يمكن أن يتغير سلوك الشخصية حسب الظروف والأحوال، وهو توجه موضوعي واقعي يُحسب له. يجد القارئ ذلك واضحاً في روايته (زبد الطين)/٢٠١٣، وكذلك في مجموعاته القصصية (سارة والجراد)/١٩٩١، و(الرقص على حافة الجرح) /١٩٩٧، و(الرحيل والميلاد)/ ٢٠٠٣، و(عندما يبتسم الحزن)/٢٠٠٨، و(عناقيد البشر) / ٢٠١٦م. يروي الكاتب الحكاية في رواية (شتاء فرانكفورت) من دون تعقيدٍ وبسلاسةٍ وبزمنٍ قصيرٍ، ومكانٍ محدودٍ وبأكثر من راو، بل تجد الكلب (أدريان) هو الراوي في بعض الأحيان، وهو أسلوب لطيف تكون الكناية، والاستعارة، والتشبيه، والتلميح فيه أبلغ من التصريح!. تبدو أجواء القاع غير مألوفة تماماً للسائح الخليجي المعتاد على حياة النعيم، والخارج من مدينة الدوحة التي تبعد عن فرانكفورت ٤٥٩٢ كيلومتراً ( تقع مدينة فرانكفورت في وسط غرب ألمانيا على ضفاف نهر الماين في ولاية هسن. تعد العاصمة الاقتصادية لألمانيا بسبب وجود مقار العديد من الشركات والبنوك وبورصة فرانكفورت ومقر البنك المركزي الأوروبي فضلاً عن المعارض الكثيرة التي تقام فيها سنوياً. يبلغ عدد سكانها ٧٦٤١٠٤ نسمة حسب إحصاءات عام ٢٠٢١ عن الويكيبيديا). لذا تصيب أحمد الدهشة، وهو يرى صديقه المتشرد (أوليفر) يرفض السكن في غرفةٍ أنيقةٍ في الفندق؛ لأنَّ إدارة الفندق ترفض اصطحاب الكلاب إلى الداخل مع العلم أنَّ حلم (أوليفر) النوم على فراش نظيف ولو لليلةٍ واحدةٍ !، يقول أحمد: (كانت أوقاتاً رائعةً، وأحاسيس جميلة، أحاطني بها أوليفر، كم أنتَ رائع !! تنازلت عن حلمك.. يا لحظك أدريان، دائماً الحياة أجمل مع الآخرين، اللحظات الجميلة لا يمكن تعويضها.. وحدها فقط الأوقات الرائعة تصبح أفضل مع الآخرين الرائعين) ص (٦٣). يكون أوليفر هو النافذة التي يُطل من خلالها أحمد على الحياة في فرانكفورت، يصف أوليفر مدينة فرانكفورت بالقول: (فرانكفورت مدينة وادعة، مدينة خلاف ما حصل لك، تتسم بالأمن، وهي مثل بقية مدن العالم لا تخلو من النشالين، لكن في العموم هي آمنة كما قلت لك، وأناسها طيبون، ويرحبون بالسياح) ص(٤٤). لم يكتفِ الكاتب بتتبع حكاية الضحية أحمد بل يولي أهميةً لتفاصيل حياة الفتية المتنمرين، ويلتمس لهم الأعذار كذلك يتتبع حياة عازفة الناي ديلما، وأسلوب حياة المتشرد أوليفر الذي يجد قوت يومه باستعراض الحركات مع كلبه في ساحة عامة أمام أنظار المارة ليحصل على المال، وهي طريقة حضارية للتسول!، ويمضي معه، وهو يدلف إلى مطعم يحتفظ بالفائض من الأطعمة ليعيد ترتيبها وتقديمها للراغبين مجاناً. تظل عقدة الرواية مستمرة حتى نهايتها بصحوة ضمير من آيدن الذي يقرر إعادة المسروقات إلى صاحبها الذي يعود إلى بلده وهو محمل بتجربة مثيرة مفيدة كأنَّه شرب من ماء الفيلسوف الألماني إيمانوئيل كانت حين قال: (الإنسان لا يتطور بالراحة، فالتجربة والمعاناة والمحاولة هي التي تطور روحه). الكاتب والإعلامي