12 سبتمبر 2025

تسجيل

الرئاسيات الأمريكية...المناظرات وفن الإقناع

15 أكتوبر 2016

تعيش أمريكا هذه الأيام العرس الانتخابي، الاستحقاقات الرئاسية، المرحلة النهائية من العرس الانتخابي، مرحلة المناظرات السياسية بين المرشحين لكرسي الرئاسة هيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي ودونالد ترامب عن الحزب الجمهوري. المناظرات السياسية هي آخر مرحلة من مسلسل طويل من الحملات الانتخابية والتسويق السياسي والعلاقات العامة في رحلة الفوز بكرسي الرئاسة الأمريكية. فالانتخابات الرئاسية في أمريكا أصبحت تقليدا وتجربة سياسية فريدة من نوعها تعتمد على صناعة صورة الرئيس القادم للبيت الأبيض وأصبحت عملية تنظم ويتم هندستها بالدرجة الأولى في كواليس العلاقات العامة والاتصال السياسي وصناعة الصورة وإدارتها. فالفيصل النهائي في نتيجة الانتخابات هو قدرة كل مرشح على تسويق نفسه مستعملا كل فنون الاتصال والإقناع وصناعة الصورة للوصول إلى الناخبين، خاصة منهم أولئك الذين لم يحددوا بعد على من يصوتون. فحسب الإحصاءات، ستكلف الرئاسيات الأمريكية لسنة 2016 ما بين 3 مليارات إلى 5 مليارات دولار. وبنهاية شهر أغسطس الأخير أنفقت المرشحة هيلاري كلينتون ما قيمته 795 مليون دولار، أما ترامب فكانت ميزانيته 403 ملايين دولار. مما يعني أن كل مرشح للبيت الأبيض ينفق ما يزيد على 10 ملايين دولار يوميا على التسويق والإعلام والعلاقات العامة لكسب أكبر قدر ممكن من الأصوات. كل أربع سنوات تتكرر المناظرات السياسية وتتكرر الحملات الانتخابية ويحاول كل مرشح للرئاسة الأمريكية أن يثبت أنه هو الأفضل وهو الأجدر بقيادة أمريكا. للتسويق السياسي تاريخ كبير في الانتخابات الأمريكية حيث استعمال ورقة العلاقات العامة وفنون الإعلام والاتصال الإقناعي للتأثير في الرأي العام وكسب أكبر عدد ممكن من الموالين للفوز بثقة الناخبين. ويقال في كواليس وأوساط الانتخابات الرئاسية الأمريكية إن المرشح الذي يعتني بمظهره وهندامه وطريقة كلامه وبلاغته وفصاحته والقدرة على فن الحديث والإلقاء والرد على الأسئلة واستفزازات الصحفيين والفضوليين والقدرة على مواجهة الكاميرا والجماهير وكذلك القدرة على الإقناع واستعمال الحجج والبراهين لتفنيد رأي الخصم وتدعيم وتثبيت رأيه، هو الذي يكسب أصوات الناخبين المترددين والذين لم يقرروا بعد على من يصوتون، وهو الذي يفوز بالانتخابات في نهاية المطاف. فهناك رؤساء لديهم كاريزما وشخصية وحضور أمام الكاميرا، حيث أصبح التعامل مع الكاميرا ووسائل الإعلام جزءًا من عملهم اليومي. فتجدهم يتدربون ويتمرسون على التعامل مع الكاميرا والصحفيين فتلاحظ لديهم سرعة التفكير والبديهة والرد والتأقلم مع كل مستجد. وهناك بالمقابل مرشحون يجدون صعوبات كثيرة في التعبير عن آرائهم ومواجهة الخصم بثقة والقدرة على الرد والشرح والتفسير والتحليل وسرعة البديهة وتجدهم يترددون وبعض الأحيان يناقضون أنفسهم ولا يتذكرون ما قالوه من قبل. يقال إن الرئيس نيكسون خسر الانتخابات أمام كنيدي في مناظرة تلفزيونية ظهر فيها مصفر الوجه، كئيبا ومريضا بسبب نزلة برد حادة، وحسب الخبراء كان من الأفضل له أن ينسحب من المواجهة بدلا من المشاركة أمام الرئيس كنيدي بذكائه الخارق وقدرته الفائقة في التعامل مع الكاميرا. من جهة أخرى نلاحظ أن التسويق السياسي والاهتمام بالجانب الاتصالي والعلاقات العامة عند المرشح للفوز بكرسي البيت الأبيض هو من أولويات خوض معركة الفوز بكرسي الرئاسة. والذي لا يتقن فن تسويق نفسه وتسويق أفكاره وآرائه وبرامجه وخططه للرأي العام فإنه يتعذر عليه الحصول على الولاء في صندوق الاقتراع. فن الحوار والحديث وفن الإقناع يعتمد بالدرجة الأولى على الصراحة ووضوح الرؤية والقدرة على استعمال الحجج والبراهين والأدلة والأرقام لإقناع المترددين والذين ما زالت الصورة عندهم غير واضحة والذين ما زالوا لم يحددوا موقفهم بعد. فن الحوار والإقناع لا يقبل القسمة على اثنين ولا يؤمن بأنصاف الحلول. المرشحة هيلاري ترى أن الجمهوريين فشلوا في الحرب في العراق وأفغانستان وفي التعامل مع الإرهاب.الذي يحصل كنتيجة للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط هو أن التواجد الأمريكي في العراق وأفغانستان يزيد من مشاكل وهموم أمريكا والمنطقة يوما بعد يوم وأن التخلص من صدام حسين لم يحسّن في ظروف العراق والعراقيين وأنه لم يقض على الإرهاب وأنه لم يطّهر العالم من النظرة السلبية إزاء أمريكا. كما أن تعامل الجمهوريين مع الإسلام والمسلمين تعامل خاطئ وسطحي ولا يقوم على إستراتيجية ورؤية واضحة، حيث إن هناك تجاهلا للعديد من المعطيات والعوامل المهمة والرئيسية. المناظرة الأولى التي جمعت المرشحين قبل أسابيع كشفت أن الإطار العام لكل من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب هو إطار واحد وأن الفرق بين الحزبين في مسائل مصيرية كالتعامل مع القضية الفلسطينية والتعامل مع إسرائيل هو نفسه لا يتغير ولا تباين بين الحزبين. الأمر الآخر هو أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط تبقى معالمها نفسها لا تتغير. فالفرق بين المرشحين لكرسي الرئاسة لا يكمن في الأيدولوجية ولا في الثقافة بقدر ما هو في نمط التفكير. فكلينتون على عكس ترامب ظهرت بتفكير علمي منطقي وعملي على عكس ترامب الذي اعتمد على العواطف والمشاعر والعقيدة والأخلاق والغطرسة الأمريكية، كما ظهر مرشح الجمهوريين جاهلا بالكثير من القضايا المصيرية في العالم خاصة ما يجري في سوريا وفي الشرق الأوسط. والغريب في الأمر أن ترامب لايريد التعلم والتخلص من جهله. من جهة أخرى لوحظ على ترامب العنصرية والأفكار الهدامة حول كل ما يتعلق بالأقليات والأجانب خاصة المسلمين. كما أظهر مرشح الجمهوريين عدم اللياقة والكياسة والإتيكيت وموقفه السلبي من المرأة والمبادئ التي يقوم عليها الدستور الأمريكي والتي تتمثل في عدم التمييز والفصل على أساس اللون أو العرق أو الجنس، الأمر الذي جعل هيلاري كلينتون تتفوق عليه وبفارق معتبر سواء في المناظرة الأولى أو الثانية ما جعل بعض الجمهوريين النافذين في السياسة الأمريكية يتبرؤون منه ويقترحون نائبه كبديل. ما يعاب على كلينتون هو أنها لم تضع خطة واضحة المعالم للتعامل مع الإرهاب ولحل المشاكل التي تتخبط فيها في سوريا والعراق وأفغانستان وليبيا ومناطق توتر أخرى عديدة في العالم. كلينتون لم تقدم خطة واضحة المعالم تتعافى بموجبها أمريكا من سمعتها السيئة عبر العالم ومن كراهية الشعوب للعم «سام». إذا استمر الوضع في سوريا والعراق كما هو فهذا يعني المزيد من الخسائر المادية والبشرية للسوريين والعراقيين والمزيد من الأموات في صفوف شباب الجيش الأمريكي. هذا الفشل يؤدي إلى تقوية صفوف القاعدة وزيادة كراهية العالم لأمريكا وزيادة اتساع الفجوة بين أمريكا وحلفائها. المناظرات أظهرت خبرة وتجربة هيلاري كلينتون في فن الاتصال السياسي والقدرة على الإقناع والتحكم في مفاصل النقاش والمناظرة والحوار والرد على أسئلة الصحفيين والمختصين. من جهة أخرى كشفت المناظرات الضعف الكبير الذي يعاني منه مرشح الجمهوريين لكرسي الرئاسة سواء على مستوى السياسة الخارجية والعلاقات الدولية أو سواء فيما يتعلق بالشؤون الداخلية مثل الضرائب والصحة والتعامل مع الإسلام والمسلمين والأقليات. وحتى ينجح التسويق السياسي لابد من وجود برنامج وخطط ومشاريع وقناعات يُروّج لها. ففي بعض الأحيان الأموال لا تكفي.