27 أكتوبر 2025
تسجيللم يكن متوقعا أن يسكن الشعب الفلسطيني على ما وصلت أو تدهورت إليه الدبلوماسية الفلسطينية والعملية السياسية التي انطلقت منذ الـ1990 ولا تزال تدرج أو تتعطل في البدايات.. فيما الاستيطان والتهويد وفرض الوقائع الاحتلالية تأكل متبقيات إمكان قيام دولة مستقلة على الحد الأدنى المتوافق عليه وطنيا.ولم يكن متوقعا أن يرضى الشعب الفلسطيني أن تصل الأمور إلى تقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا وأن تحرق عائلات بأطفالها ونسائها ورجالها وأن تحرق المحاصيل الزراعية وأن تتلاشى القضية الفلسطينية من الاهتمام العالمي فتسقط من خطابات الأمم المتحدة التي هي في الأصل مجرد خطابات إنشائية أخلاقية نفاقية، فيما الممثل الشرعي الوحيد للشعب والقيادة الرسمية يقيمون مهرجانات الفسق والفجور - كمهرجان الألوان المختلط في رام الله وحفلات رقص المطربين المصنعين لتلهية الأجيال - ويمارسون الوطنية فقط بلغة الترجي والحرد، كما يمارسون الدبلوماسية بالانخراط في التعاون الأمني والتنسيق السياسي الذي يصر على انتهاجه الجانب الرسمي الفلسطيني حتى الآن.الشعب الفلسطيني ليس غبيا ليصدق أن ثورته – أو موجته الثورية الحالية – هي تهور وخطأ تاريخي وخطيئة وطنية، كما يريد بعض القادة السياسيين الفلسطينيين وحلفاؤهم من النظام العربي أن يقنعوه به، فيما هو يرى أنه في أيام قليلة أنجز ما لم تنجزه كل اللقاءات والتواصلات والتصريحات والدبلوماسيات.. ويرى أنه استطاع جلب العروض السياسية واسترعى الإعلام العالمي، وسمع نتنياهو يأمر مستوطنيه ووزراءه بعدم الدخول للأقصى. الشعب الفلسطيني لم ينتظر قرارا رسميا من السلطة ولا حتى من حماس التي يثق بها لينطلق في موجته الثورية الحالية ولئن صحت التوقعات فالمنظور أن تتحول هذه الموجة الثورية إلى انتفاضة كاملة على غرار انتفاضتيه الأولى والثانية وصولا إلى مشروع حاسم ومستقل وأخير لإنجاز التحرير.غير أن ما أخشى منه على الانتفاضة الحالية أمور، أهمها أمران.. الخشية الأولى: أن تنساح عواطف السلطة والرئيس "عباس" باتجاه العروض السياسية المغرية بفعل خوفين، خوف من التصعيد أن يتلف السلطة ويتلف قدرة رئيسها على الاحتفاظ بمنصبه، وخوف من تثبيت المقاومة رأس جسر لها في الضفة.. هذه الخشية على الانتفاضة والخوف من مسابقة "فتح" لقطف الثمرة رأينا مثله في الانتفاضتين السابقتين، ونرى اليوم بوادره في أكثر من شكل، ويمكن أن يكون مهددا حقيقيا يقطع طريقها إذا كنا نتحدث عن إقليم الضفة الخاضع أساسا للسلطة وتعاني فيه حماس تعقب أكثر من جهاز استخباري.الخشية الثانية: ألا تتشكل قيادة للانتفاضة أو عدم الوصول لتوافق وطني حول الاستمرار في الانتفاضة تحت وقع الانقسام وفقدان الثقة بين الفصائل، ما يجب التأكيد عليه هنا أن القيادة الموحدة مع اتجاه الشعب الفلسطيني للثورة والتضحية هما ماكينة تشغيل الانتفاضة وبرمجتها وتوجيهها ثم استثمارها بشكل أمثل.. وهذا يتطلب من كل مكوّن فلسطيني - بالأخص فتح وحماس – أن يقدم أسباب التوافق والتناصح والإحساس بالمسؤولية والوحدوية والبحث عن القواسم المشتركة وتأجيل وترحيل الخلافات.. فإذا كانت الثورة السلمية والسكاكينية بشكلها ومستواها الحالي في ظل رفض حركة "فتح" التصعيد العسكري، فإن هذا الحد ممكن إلى أن تنضج البيئة الوطنية والثورية الحاضنة للمقاومة المسلحة في الضفة.آخر القول: كما عودنا الشعب الفلسطيني دائما، فهو يعود اليوم إلى سكة المجد والشرف والتحرير والأمل الكبير.. لكنّ ما يخشى منه هي تلك الزوايا النتنة التي تنطلق منها رائحة ألاعيب عواجيز السياسة العربية والفلسطينية.. ما يقتضي من كل معني بالتحرير أن يقول كلمته اليوم بلا مواربة ولا تردد.