15 سبتمبر 2025
تسجيلعالم الشهادة في المشهد المصري اليوم مزري وموجع ومؤرق، وعالم الغيب مع الأمل والعمل لله مثمر ومزهر ومورق، عالم الشهادة فيه استماتة واحتيال بالجملة بالاستبداد السياسي والفساد المالي والتحلل الأخلاقي والتخلف الحضاري، وعالم الغيب فيه تدبير آخر يقول فيه رب العزة سبحانه: "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ" (الأنعام: من الآية 59)، ومن يدير مصر ليس السيسي الذي يحمل كل خصائص النظام البائد من كبر وعنجهية وظلم وطغيان، بل الذي يدير العالم هو الملك سبحانه فهو وحده الذي يعلم حقيقة ما يجري وما سيجري في عالمي الغيب والشهادة؛ لأنه الكبير المتعال الذي قال عن نفسه سبحانه: "عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ" (الرعد:9)، فنحن الفقراء إلى الله، الموقنون بنصر الله لأنا لا نحمل إلا الخير لعباد الله، بل لخلق الله، لأن ربنا سبحانه استعمرنا في هذه الأرض، لكن الانقلابيين والظالمين في عالم الشهادة قد طغوا وبغوا وأكثروا في الأرض الفساد، ومزَّقوا علائقنا إلا مع الكيان الصهيوني المحتل فقد جيَّر له كل خيرات مصر وحرم أهلها وأهلنا بغزة، وأشرف معهم على ضرب غزة وقتلِ أطفالنا ونسائنا ورجالنا وعلمائنا ومساجدنا ومدارسنا، وهو إلى اليوم يجيع أهلنا في غزة ويحرمهم من الوقود والسولار ولقمة الغذاء، وعلبة الدواء، ويقدم للكيان الصهيوني الغاز والبترول، وكان ولا يزال الصديق الحميم للمجرمين من قادة الصهاينة، لكن هذا المكر السيء في عالم الغيب يقابله المكر الإلهي كما جاء في قوله تعالى: "وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ" (إبراهيم:46-47)، وقال تعالى: "وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ" (فاطر: من الآية43)، فهو سبحانه عزيز على المجرمين رحيم بالمؤمنين، وأشهد الله أنني مع جولاتي في أرض الله تعالى من شرقها لغربها وشمالها لجنوبها لم أجد مثل أهل مصر إيمانا ويقينا وعزما وتصميما، ورجولة وتضحية، وصبرا ودأبا، وحمية وغيرة، وعلما وخلقا، وهؤلاء سيرحمهم الله من هذا الكيد الرهيب، والمكر الشديد المستند إلى الخارج اللدود، لكن علام الغيوب لن يرضى لمصر وأهلها بعد كل هذه التضحيات، والدماء والجراح، والرقي الحضاري في ثورتهم أن يمكنَّ للانقلابيين وفلول وأزلام النظام اللعين الذي يحكمنا بالحديد والنار والسيف البتار، لأن قوة الملك الجبار هي التي ستذل هؤلاء الأشرار، كما توعدهم بقوله سبحانه: "وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ" (إبراهيم: 15).ونحن بحاجة قبل أي وقت مضى إلى فقه القلوب في الانتقال من الغفلة إلى استحضار القلب، ومنه إلى حضور القلب، بمعنى أن نكون أصحاب قلوب حية بذكر الله عز وجل؛ سعيا إلى درجات المقربين، وتعافيا من مقام أصحاب الشمال، وعدم الوقوف عند مقام أصحاب اليمين، وفيما يلي بعض المعالم التربوية والدعوية التي تعيننا على ذلك:1. نحن بمسيس الحاجة أن نتضرع إلى الله لمصر وأمتنا بدعاء الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان يطيل التضرع بقوله: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" رواه مسلم، وأن نحسن التضرع والدعاء والقنوت والإخبات خاصة مع الأدعية التي تناسب حالة القلق والتردد وكثرة الآراء واختلاط المفاهيم وانتشار الفتن. 2. أن نطيل الركوع والسجود قصداً، مع زيادة مصحوبة بالإيمان والاحتساب لعدد التسبيحات " سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى"، و"سبوح قدوس رب الملائكة والروح"، واستشعار أن الهويّ إلى السجود هو عين الارتقاء إلى ربنا الودود، ويحسن أن نقرر أن كل يوم فيه عدد وتري من التسبيحات، كأن تقول أسبح اليوم ثلاثا ثلاثا، أو خمسا خمسا، أو سبعا سبعا، وذلك حتى لا تتحول العبادات إلى عادات، مع حضور القلب، لأن السجود قمته في قوله تعالى: "واسجد واقترب" (العلق:19). ويحسن أن نطيل الدعاء أن يستعملنا الله في التمكين لدينه وإعلاء كلمته في مصر والعالم كله.3. أن نصوم يوما كل أسبوع ونبتهل لله عند الإفطار أن يحرر مصر وبلاد المسلمين من أعداء الدين، للحديث الذي أورده السيوطي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل، و الصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم، يرفعها الله تعالى فوق الغمام، و تفتح لها أبواب السماء، و يقول الرب تبارك و تعالى : وعزتي لأنصرنك و لو بعد حين" (حديث حسن)، والصيام والدعاء هنا زاد تربوي مهم في هذه الأوقات، وضمان من الجبار سبحانه باستجابة الدعاء.4. أن نجيد إرجاع البصر كرتين، تدبرا وتفكرا في النفس والكون، والانتقال من مرحلة كفر النعم أي جحودها "إن الإنسان لكفور" (الزخرف:15) إلى مرحلة الشكر، وهو من يشكر الله على نعم يدركها لقوله تعالى:"لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد" (إبراهيم: 7)، ومنها إلى مرحلة "الحامدين" الذين يحمدون الله في السراء والضراء، ويرون أن العطاء من العبد حرمان، وأن المنع من الله إحسان، ويستشعرون بقلوبهم وعقولهم معا: "إذا رُزق العبد الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء"، فإذا كان ثمت توفيق فهو من الله وحده لقوله تعالى: "وما بكم من نعمة فمن الله" (النحل: 53)، وإن كان غير ذلك فمن ذنوبنا وتقصيرنا، ونستغفر الله من ذلك.5. التجرد من الحول والطول، والقوة والغنى، والعدد والعدة، فنبذل أقصى جهدنا في تحقيق أحسن الأسباب، ونكِل النتائج كلها إلى رب الأرباب، ولا ندع طريقا إلى خير بلدنا وأمتنا إلا سلكناه، و نرضى عن الله تعالى فيما يقدره، مستعينين بالله تعالى ذي القوة المتين، وذي الجلال والإكرام، الذي بيده ملكوت كل شيء، ولا يجري في ملكه شيء لا يريده، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فنعيش مقام "إياك نعبد وإياك نستعين" (الفاتحة: 5) بأن تتضاءل في عقولنا كل قوى الأرض أمام قوة الملك التي لا تقهر، وقوة المنهج الذي لا يتغير، وتتصاغر كل الموازين سوى مقام الله العزيز الحكيم الذي يحكم ما يريد، وهو سبحانه "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض" (السجدة: 5) و"يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون" (الرعد: 2)، فإن أجرى الله على أيدينا من العزة والقوة والتمكين لهذا الدين رعاية للناس وعمارة للأرض فهذا من فضل الله علينا ليبلونا أنشكر أم نكفر؟ وإن صرف عنا شيئا فنعود لأنفسنا مصححين، وعلى ربنا متوكلين، وبه وحده سبحانه نستعين، ونستمر في عطائنا حتى يأتينا اليقين، وتقر أعيننا برضا الله وجنات النعيم.6. بث رسالة الأمل – بالرغم من الألم - قبل العمل حيث إن علام الغيوم وعد المؤمنين العاملين الصابرين ألا يضيع أجرهم، ونكثر من النصوص الدالة على وعد الله بالنصر والعزة والكرامة ، وأنه سبحانه يقهر ولا يُقهر، وأنه سبحانه غالب على أمره، وأنه سيمنُّ على أهل مصر بخير كثير ويزيل عنها الغمة إذا وثقنا في قدرته ووعده سبحانه وبذلنا أقصى جهدنا، كما منَّ على المستضعفين في قصص القرآن وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكما نهضت دول مثل اليابان وماليزيا وتركيا والبرازيل وجنوب افريقيا وغيرها، وقد كانت تعاني جميعا مثلما نعاني نحن الآن من المتآمرين في الخارج والفلول في الداخل.فيا قومي من أهل مصر لا تركنوا إلى تلبيس وتدليس عالم الشهادة، وأيقنوا – مع الأمل والعمل – أن علام الغيوب لن يقدر لمصرنا إلا كل خير فهو القائل سبحانه: "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" (الروم: من الآية47) بل أسألكم بالله!!! هل يوجد خطاب طمأنة لأهل مصر ومحبي مصر آكد من وعد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال.قوموا – لأجل مصر وأمتنا - بالليل تذللا وتضرعا، وتحركوا - لأجل مصر وأمتنا - بالنهار فريضة وتطوعا. وثقوا في قوله تعالى: "أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة: من الآية214).