18 سبتمبر 2025

تسجيل

تركيا جزء الغرب!

15 أكتوبر 2011

الحوار الذي أجراه مؤخرا وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو مع 12 صحفيا تركيا في جلسة مغلقة وكان لمناقشة قضايا السياسة الخارجية التركية ، كان استثنائيا ومهما وخطيرا في الوقت نفسه. داود أوغلو الذي لا يزال محرك السياسات الخارجية لتركيا، ذهب بعيدا في شرحه لما تفعله تركيا والموقع الذي تقع فيه في هذه المرحلة. في خلاصة الشرح المسهب الذي قدمه الوزير التركي وكما نقل عنه حرفيا بعض الذين كانوا مدعوين إلى اللقاء أن "تركيا تأخذ مكانها في "البلوك الغربي". كان واضع نظرية "العمق الاستراتيجي" واضحا وحاسما في تحديد خيارات تركيا الحالية والمستقبلية. وهي خيارات له وللشعب التركي الحق في تحديدها في الاتجاهات التي يرونها. لكن ما كانت تدعو إليه تركيا في السنوات التي تلت وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 كان خلاف ما يعلنه الوزير التركي اليوم. الانتقادات التي وجّهها بعض العرب إلى التحول في السياسات التركية لم يقتصر عليهم.انضمام عدد كبير من الكتّاب الأتراك المعتبرين إلى حملة الانتقاد لهذه السياسات أخرجت المنتقدين من الكتّاب العرب ، وأنا واحد منهم، من أن يكونوا جزءا من "دعاية سوداء" لتشويه صورة تركيا ووضعها في موقف صعب كما اتهمهم داود أوغلو. كان مرتكز الانتقادات التي نوجهها أن أنقرة انقلبت على سياساتها السابقة واتخذت موقعها كجزء بنيوي من السياسات الغربية.وإذا كان كتّاب علمانيون ويساريون وليبراليون أتراك قد اتخذوا موقفا منتقدا ويمكن للوزير التركي أن يفسرّه كما يريد فإن كتّابا مثل أحمد طوران ألقان وعلي بولاتش وعبدالحميد بالجي من المحسوبين على التيار الإسلامي القريب من حزب العدالة والتنمية، لا يمكن لسعادة الوزير أن يضعهم أيضا في خانة الدعاية السوداء آنفة الذكر. من حق البعض أن يحاسب اتجاهات السياسة الخارجية التركية انطلاقا من ايديولوجيا يعتنقها أو أغراض سياسية معينة.لكن عندما تتم المحاسبة على أساس التناقض بين ما كان يدعو إليه حزب العدالة والتنمية وما هو عليه الآن فأعتقد أن من واجبات مهندسي السياسة الخارجية التركية أن يوضحوا ويبرروا التحول الذي حصل. يقول بالجي إنه بمعزل عن أسباب تحول تركيا من بلد محاط بالأصدقاء إلى بلد محاط بالأعداء فإن اللوحة التي ترتسم اليوم هي أن الجبهة المعادية لتركيا تكبر وتشمل معظم جيرانها ولا تغير الأسباب النتيجة وهي ان تركيا عادت الى مربع العداء الذي سبق وصول العدالة والتنمية إلى السلطة. كل العناوين التي رفعها حزب العدالة والتنمية انقلبت رأسا على عقب. من ذلك على سبيل المثال شعار "القوة الناعمة" الذي كان سرّ قوة تركيا وفرادتها في السنوات الأخيرة: دبلوماسية واقتصاد ومجالس تعاون استراتيجية وفتح الحدود ودور وسيط. فجأة حلت محلها صورة"القوة الخشنة" أو "القوة الصقرية"،كما يسميها علي بولاتش.تهديد بالحرب مع قبرص اليونانية واسرائيل ومشاركة في الحرب الليبية وأخيرا التهديد بالتدخل العسكري في سوريا. ولم يقتصر التوتر التركي مع بلدان دون أخرى بل وصل الى حد التعارض حتى مع روسيا التي هي شريكتها التجارية الأولى في العالم. لا يمكننا نحن كمشرقيين،وعرب خصوصا، أن نوافق على أن تكون تركيا جزءا من البلوك الغربي.هذا البلوك الذي لم يوفر ساحة عربية وإسلامية إلا وانتهكها بالاحتلال والتدمير ونهب الثروات ناهيك عن احتضانه المستمر للكيان الاسرائيلي الطفل المدلل للغرب. لقد اعتقدنا أن تركيا قد عادت إلى توازنها بسياسات تعدد الأبعاد وتصفير المشكلات والعمق الاستراتيجي.لكن كلام داود اوغلو الأخير إلى الصحفيين الأتراك هو من الخطورة بمكان بحيث لا يمكن إلا أن نرفع الصوت عاليا من تداعياته الخطيرة على العلاقات التركية مع كل العرب دون استثناء الذين لا يزالون يتعرضون للمطامع الغربية.ونحن لا نريد لتركيا إلا أن تكون جزءا من قضايانا وهويتنا المشرقية. وهي دعوة الى الأخوة الأتراك ان يتنبهوا الى هذا الفخ الذي ينصبه الغرب لهم بأنه يدعمهم لزعامة إقليمية فلا يجدون أنفسهم لاحقا إلا وقد جاءهم الدور في الفتنة والتفتيت وحسب "الأجندا الغربية" تحديدا. مصلحة تركيا أن تكون جزءا من البلوك المشرقي وليس جزءا من البلوك الغربي.هذا ما يجب أن يعرفه الجميع.