11 سبتمبر 2025
تسجيلالمؤتمر الذي عقد في 25 أغسطس الماضي في العاصمة الشيشانية "جروزني" على مدى يومين بعنوان "من هم أهل السنة والجماعة؟" ثم انتهى إلى إبعاد السلفييين والإخوان من هذا التصنيف ليحصروا أهل السنة والجماعة في أنفسهم وما يمثلون من الأشاعرة والماتريدية والصوفية الخرافية.. هو مؤتمر إشكالي لا يمكن إغفال هوية الداعين إليه أو تجاهل علاقتهم بالانقلابات والنظم المستبدة والحرب الدائر رحاها على أهل السنة في إيران ومصر والعراق وسوريا واليمن.. كعقيدة ومكتسبات ومصالح ومآلات؛ فضلا عن أن المؤتمر متهم ابتداء في صدقية تمثيله لأهل السنة والجماعة..وأقول: أما القيمة العلمية لدعوى إخراج السلفية والإخوان من أهل السنة وبصرف النظر عن مواقف هؤلاء السياسية والفكرية أو تموقعهم في الثورات ومحاربة الاستبداد الرسمي أو ضدها فلا مضمون علميا أو فقهيا أو عقديا لهذه الدعوى، بالتالي فلا يصلح أن يسمى هذا المؤتمر بمؤتمر إسلامي أو علمي أو تخصصي أو سنّي مهما زعم مؤتمروه لأنفسهم من العلم الشرعي أو انتسبوا لوظائف دينية أو مواقع إفتائية رسمية في دولهم أو ادعوا نسبة حصرية لهم بأهل السنة والجماعة؛ ولكنه مؤتمر ذو مضمون مجرد سياسي انحيازي جهوي فئوي انقلابي بامتياز.وما يجب التنبه إليه وعدم استصغاره هنا أنه عندما يقرر المؤتمرون إخراج السلفية والإخوان من أهل السنة والجماعة، ويفرقون بينهم وبين الشيعة والصوفية والأشاعرة والماتريدية.. فإنهم حينئذ يتجهون لتكفيرهم؛ بالإخراج ليس السياسي الذي يتعلق بمعارضة أو التمرد على الدولة ولكنه إخراج ديني مذهبي عن لافتة عقدية وفقهية؛ وإذن فهو الطريق إلى التكفير والفتح لباب صراع داخلي سني ممتد تماما وبذات القدر كما تفعل داعش؛ باب إن فتح لا يظن أنه سيغلق إلا بعد الكثير من التكفير والتكفير المضاد.وفي ضوء معطيات المكان والزمان والمشاركين والمحظورين فإن أسئلة تطرأ على الذهن.. هل يريدون تحويل الانقلابات السياسية والجرائم العسكرية إلى انقلابات دينية وعلمية ودعوية ومذهبية أيضا؟ وهل هي محاولة انقلابية على الاتحاد العام لعلماء المسلمين وإفراغ مؤسسات المسلمين العلمية والدعوية من قيمتها ووجاهتها؟ وهل ينزع المؤتمرون إلى شغل أهل السنة ببعضهم وإثارة حروب دموية لا ترقأ بينهم أبدًا؟ وهل يريدون تنصيب عدو جديد للمسلمين من ذات بينهم؟ وإذا كان هذا التحالف العُلَمائي السياسي "الصوفي والصفوي" ومن ورائه روسيا وأمريكا (بالضرورة وإسرائيل) قد تُأطر بفتاوى من هذا الحجم وهذه المغامرة فهل على الإخوان والسلفيين أن يظلوا يرقبون التطورات من بعيد وأن ينظروا للتحولات كلعبة "بنغ بونغ" مسلية أو موترة حتى تقع الفأس في الرأس؟واضح أنها حرب على أهل السنة بتقمص دعواهم ونزع شرعيتهم وإخراج أبرز رموزهم منهم - السلفيين والإخوان - وهذا يوجب على أهل السنة "الحقيقيين" أن يتكلموا بلسان فصيح وبيان صريح أنهم يجسدون حقيقة الأمة الإسلامية، وأن يعملوا بجد على استعادة الرمز والشعار والراية قبل "ولات مندم"، وأن عليهم ألا يسمحوا بخطوة أخرى تستغل غيبتهم عن الرأي العام، وأن لا يكتفوا ببيان يتيم أو مؤتمر صحفي عاجل أو بمقال شارد في صحيفة محلية أو عمود داخلي في خارجية.أليس من المنطق والحال هذه أن ندعو السلفية والإخوان ليعيدوا قراءة الخارطة السياسية ويرصدوا متغيراتها ويبحثوا عن الجوامع المشتركة التي تجمعهم وأن يغلّبوا ضرورات الواقع ووحدة الاستهداف على خلافات الوهم وصغيرات التنافس واحتكاريات البدايات البعيدة؟ أليس من الصراحة أن نقول للإخوان إن الحرب عليكم لن تتوقف عند حدود انقلاب السيسي وتربصات السبسي وحفتر وإشاعات وشبهات إيران ومماحكات أخرى نراها ونسمعها كل يوم؟ وأن نقول للسلفية إن مؤتمر "جروزني" هو خط الانطلاق في عزلكم وحربكم بدعوى أنكم الجذر الحيوي لداعش والقاعدة؟ آخر القول: الأكيد أن الخلاف بين السلفية والإخوان لا ينكر ولا يستنكر؛ ولكن الذي ينكر ويستنكر ويذم وينفي هو أن يصير التفاهم بين السلفية والإخوان مستحيلا! وأن يغرق مثقف النخبة داخل كل طيف في جدلية صراع لا تنتهي! ليجد القتاتون المتسمّعون على الأمة في هذه الخلافات ما يتطاولون به عليها ويفسدون به ودها وذات بينها.