18 سبتمبر 2025

تسجيل

مذيع البيجاما المصري ونظريات الإعلام

15 سبتمبر 2013

لإخواننا في مصر مزاجية خاصة في تعاطيهم مع الأحداث, فهم يصنعون من الحدث حدثاً آخر معاكسا له في الاتجاه ربما عكس نظرية نيوتن الشهيرة, فالحدث المصنوع من قلب الحدث يأخذ أبعاداً أخرى ويطفو على الساحة بانتشار واسع وسريع تماماً كما حصل مع المخرج التلفزيوني أشرف غنيم الذي لقب بمذيع البيجاما مؤخراً بعد حواره السريع مع وزير الداخلية المصري اللواء محمد إبراهيم وهو الظهور التلفزيوني الأول للوزير بعد محاولة الاغتيال التي استهدفته يوم الأربعاء الماضي, أيضاً تتذكرون "مين الراجل اللي وراء عمر سليمان" عندما كان سليمان نائباً للرئيس المصري السابق يلقي بيان التنحي الشهير لـ "حسني مبارك" يوم 11 فبراير 2011م؛ فقد ترك المجتمع المصري حدث تنحي رئيس الجمهورية بحجمه وأبعاده وراح الجميع يتحدثون ويبحثون عمن وراء عمر سليمان حتى غدت تلك اللقطة هي الحدث الأكبر في مصر كلها وفي عموم الإعلام العربي والعالمي أيضاً مصحوبة بالتعليقات اللاذعة والطرائف، حتى ظهر أنه اللواء حسين شريف، مفنداً كل ما يقال؛ سوى أن للإعلام المصري والمجتمع هناك مزاجيته الخاصة, تماماً كما حدث مع الراجل "أبو جلابيه" الذي ترجل في ساحة الملعب الرياضي في إحدى مباريات نادي الزمالك والإفريقي وأمام حشود الجماهير فنسي المتابعون نتيجة المباراة وأحداثها وراح العالم أجمع يبحث عن هوية صاحب الجلابية البلدي ودشنت صفحات "الفيس بوك" المتنوعة للتعاطي مع الحدث, فالإعلام المصري لدى كل الأطراف السياسية والاجتماعية إعلام ذكي ومؤسساته صاحبة خبرة عميقة ومراس طويل في هذا المجال؛ فالمصريون هم صناع الإعلام العربي ولسان حاله دائماً منذ إعلام الرئيس جمال عبد الناصر وإذاعة صوت العرب ومذيعها الشهير "أحمد سعيد" ويعرف إعلاميو مصر كيف توجه الاهتمامات في الرأي العام صوب حدث جديد أصغر من الحدث الأهم, وتلك العملية تنسجم تماماً مع نظريات الإعلام العالمي لصرف الرأي العام عن الأحداث الأهم والعمل على إشغال الناس وإشباع فضولهم بما يبعدهم عن الحدث الأهم سواء لهدف إيجابي أو سلبي, فمصر دون سواها من المجتمعات العربية ورغم كثافة سكانها وتنوع ثقافتهم تتعاطى مع الإعلام بتأثير متبادل وهو ما يبرز قوة الإعلام هناك وتأثيره في ثقافة المجتمع وتوجيه ميوله بكل المؤثرات المتاحة, وربما لن تكون تلك الظواهر هي الأخيرة ضمن صناعة الأحداث المواكبة للحالة السياسية الحالية في مصر وهي ما تعطي مؤشراً على ميول غالبية المجتمع هناك إلى الدعة والطرافة والبعد عن مشاكل المشهد العام ومجرياته المشحونة بالتناقض وفرز المجتمع وفق الأيدلوجيات الراهنة التي يسوق لها دعاة المصالح ودكاكين الفتنة لجر المجتمع نحو صراعات بينية ترسخ الفرقة وتعمقها في المجتمع الواحد ومكوناته, عموماً تبقى ظاهرة الأحداث الجانبية وتعميمها برؤية إعلامية وفق نظريات الاستمالة العاطفية والعقلية للجماهير ومحورة الأضواء لصناعة رموز تغذي ثقافة المجتمع بالجديد الذي يبعدها عن حالات واقعها وتكرس تجاهل الحقائق القائمة والمهمة, فتبقى تلك الظواهر عفوية كانت أو مبرمجة مؤشراً نحو الرغبة إلى الجنوح بعيداً عن الصراع والتأزم السائد ليظل المجتمع وفق طبيعته المهمومة بعيشها اليومي وصناعة الابتسامة للتغلب على صعوبة الحياة وظروفها التي تأزمت مع الحالة السياسية السائدة هناك منذ المطالبة برحيل الرئيس مبارك.