15 سبتمبر 2025

تسجيل

الإحساء.. للتمور وطن

15 سبتمبر 2012

"إذا جاء الصرام حنا كرام " هكذا ربط المزارعون في الإحساء وربما غيرهم العطاء والكرم بموسم " الصرام " فلا فرحة أكبر وأبلغ عند الفلاح من جنيه لمحصول زرعه وتحقيقه لعائد مجز يغطي نفقاته وجهده الذي استمر عاماً كاملاً. فهي المنفعة التي عرفها قدماء علم الاقتصاد بنظرياته المتلاحقة بين الطبيعيين والكلاسيكيين وغدت علماً يُشرع فيه آدم سميث وريكاردو غيرهم من المتمرسين عبر التاريخ في هذا العلم الذي غدا الملمح الأهم لاستمرارية الحياة وعجلة الإنتاج وتطورها. فالقيمة المضافة هي حافز الإنتاج والاستمرار فيه دائماً أينما ذهبت وإلا غدت آلة الإنتاج معطلة مما يعطل معها الكثير من صور التنمية ومظاهر نمو المجتمعات في شتى مجالاتها. عموماً نحن في الإحساء المحافظة الأقرب لدولة قطر والتي تشترك في سماتها مع المجتمع هنا وتتمازج النمطية الاجتماعية كثيرا بين سكانها وسكان قطر في عاداتهم وطريقة تسوقهم. نعيش الآن حالة من معطيات الحفز نحو تفعيل عطاء حوالي أربعة ملايين نخلة تمثل تاريخاً مشرقاً لهذه الواحة العريقة بعيون المياه فيها ونخيلاتها التي تمثل أكبر واحة متصلة تكسو أرضها النخيل وأشجار شتى. فقد دشن سمو محافظ الإحساء الأمير بدر بن محمد بن جلوي يوم الأحد الماضي فعاليات مهرجان النخيل والتمور تحت شعار " الإحساء للتمور وطن " في دلالة وبعمل مكثف للعودة إلى تلك الصورة الذهنية الإيجابية عن تمور الإحساء التي ظلت مصدراً للثروة وعنواناً للإنتاج وتحقيق القيمة المضافة التي ضمنت لممارسي الزراعة عائداً يحقق لهم العيش الكريم والاستمرارية. فقد أطلق سموه فكرة المهرجان استشعاراً بما آلت إليه عملية إنتاج التمور من تدهور إثر تراجع أسعارها في السوق المحلية وما صاحب ذلك من إحباط للزراع والمنتجين إثر فجوة سعرية لازمت أسعار التمور لا تسد تكاليف الإنتاج. بينما هناك سوق ضخمة للتمور محلياً وعالمياً يمكن الاستفادة من معطياتها بصياغة جديدة للمعادلات بين الإنتاج والتسويق بتنافسيته القائمة وما يتداخل معها من أساليب التسويق وطرق التعبئة. ونظراً لكون الإحساء تستند إلى تاريخ عريق وحضور مميز ومستمر في مجال الإنتاج. كان من اللازم العمل في هذه الفترة لصياغة المعادلات بما يضمن للمزارع العائد المجزي الذي يحقق له الفائدة ويضمن استدامته فكان هذا المهرجان " للتمور وطن " يتحول من مجرد فكرة إلى جهد قائم يتضمن الكثير من الفعاليات الإعلامية والعمل الجاد على إعادة هيكلية سوق التمور المحلية وآلياته. فليس من المعقول أن تُسعر التمور الخام وفقاً لمزاجية المتحكمين فقط من التجار دون أن يكون للزراع دور في عرض تمورهم بالطريقة المثلى التي تبرز جودتها وتحقق لهم العائد المجزئ فكان من خلال المهرجان تجديد طرق العرض وفرض الجودة بافتتاح مختبر خاص تديره فتيات متخصصات من بنات البلد وكذلك تم إقرار تبديل طرق التعبئة التقليدية للتمور " النثر " والغير متناغمة مع سبل العرض المميز بما يتيح للمتسوق استعراض التمور بطريقة تضمن له جودتها وسلامتها. أيضاً كان الصوت الإعلامي حاضراً بكثافة ضمن فعاليات المهرجان للوصول بتمور الإحساء إلى أبعد مدى مثلما كانت الإحساء سوقاً تاريخياً ووفيراً للتمور. وحيث قيل في التاريخ " كناقل التمر إلى هجر " في دلالة على غبن من ينافس تمور هجر في أرضها. فهنا الجودة والوفرة والتنوع حاضرة في هذه السلعة التاريخية المباركة بمكونها الغذائي وما يحاط حولها من موروث ثقافي وفكري. وعليه نتمنى أن يحقق المهرجان أهدافه لتعود الفرحة إلى الفلاح المحلي بعائد مجز لتموره. كما أن المهرجان لا ينافس غيره من المهرجانات الأخرى في دول الخليج سوى انه يتكامل معها في منظومة الاقتصاد الوطني الكبير. وقبل أن أختم فقد تضمنت النشرة الإعلامية للمهرجان هذه القصة الجميلة عن تمور الإحساء. فالزميل الشاعر عبدالله العويد كان يهدي صديقه الشاعر عبدالله آل جازان بعض التمر سنوياً تزامناً مع حلول شهر رمضان. وحيث يتأخر موسم التمر كل عام تبعاً لحركة الفصول الفلكية فصار أن دخل الشهر الكريم دون أن يصل التمر المعتاد إلى آل جازان في مكة المكرمة من صديقه الإحسائي العويد. فبعث إليه معاتباً بهذه الأبيات الشعرية الجميلة. إذ أنسى فلا أنسى تُمور تنتج الإحساء على الميعاد تأتينا فيُمسي وعدنا عرسا وهذا العام لا ندري هل التأخير في المرسى أم القلبُ الذي كنا بهِ غيري بهِ أمسى