02 نوفمبر 2025

تسجيل

ذكريات زنزانةا

15 أغسطس 2019

أفقر رئيس في العالم يحتفظ بجزء يسير من راتبه ويتبرع للجمعيات الخيرية التدافع بين الخير والشر واقع يعايشه الناس والنصر لقوة العزيمة قانون التغيير سنة كونية ولذلك لا يأس من الإصلاح الآية الكريمة التي يقول الله تعالى فيها ( وتلك الأيام نداولها بين الناس )، تتضح معانيها عندي يوماً بعد يوم مع كثرة الحوادث في العالم، وتنوع النهايات للدول والأشخاص، وانقلاب البشر من حال إلى حال.. ولقد كنت قبل أيام أشاهد فيلماً يجسد حياة ثلاثة من الذين عارضوا حكومة العسكر في جمهورية أوروغواي، التي انقلبت على حكومة مدنية ديمقراطية بدايات السبعينيات، وقادت البلاد في تلك الفترة حتى أواسط الثمانينيات، حيث تدهورت أحوال البلاد والعباد، شأن حكم العسكر أينما كانوا وظهروا وحكموا، شرقاً وغرباً أو شمالاً وجنوبا. تحدث الفيلم الذي حمل اسم " ذكريات زنزانة "، عن ثلاثة سياسيين من المعارضة التي نشأت ضد العسكر، شأن أي دولة يغتصب العسكر الحكم ويتم الاستيلاء عليه بقوة الساعد والسلاح، حيث تم اعتقالهم وأخذهم رهائن نظراً لمواقعهم في المعارضة وقوة تأثيرهم في الجماهير. ينتقل الفيلم بك في مشاهد عديدة، تعكس حال المعتقلين الثلاثة في سجون انفرادية سيئة الوضع، حيث لم يكن يتم الاحتفاظ بهم في موقع واحد لفترة طويلة، بل كان يتم نقلهم باستمرار من موقع لآخر ولمدة اثني عشر عاماً، مدة اعتقالهم ! الأمور مع الأيام انقلبت لصالح المعارضة أو عموم الشعب ضد العسكر، وعادت الحياة المدنية الديمقراطية إلى أوروغواي، وتم إطلاق سراح الكثير من المعتقلين، وكان أولئك الثلاثة منهم. حيث انخرطوا من فورهم بعد اطلاق سراحهم، في الحياة السياسية، لتمضي بهم الأيام سريعاً حتى صار أحد المعتقلين الثلاثة، وزيراً للدفاع والآخر مسؤولاً كبيراً في وزارة الثقافة، إذ كان كاتباً ملهماً مخيفاً للعسكر، يخشونه أكثر من زملائه بسبب قوة بيانه وتأثيره على الجماهير. أما زميلهم الثالث فكان هو المفاجأة، إذ تم انتخابه رئيساً للدولة !. هذا الرئيس هو السيد خوسيه موخيكا، الذي عرفه العالم بأنه أفقر رئيس في العالم. إذ كان يبلغ مرتبه الشهري حوالي 12 ألف دولار أمريكي، ويقال إنه كان يحتفظ بنسبة 10 بالمائة منه فقط ويتبرع ببقية راتبه للجمعيات الخيرية في بلاده، حيث كان يرى أن العشرة بالمائة تكفيه ليعيش حياة كريمة خاصة أن غالبية شعبه يعيشون بأقل من ذلك. بالطبع هذا الرئيس كان نموذجاً نادراً لا أظن أن يظهر أحدٌ مثله في عالم اليوم المادي وبهذه السهولة أو بتلك الصورة، وبالطبع لا أتوقع أنه نجا من سخرية الساخرين الذين ربما وصفوه بالسذاجة وغيرها من أوصاف، لأنه لم يعرف كيف (يستغل) منصب الرئيس في تحقيق أحلامه وأحلام أهله وأقربائه وعشيرته ومن حوله من الأصدقاء والزملاء، كما هو المعتاد بشكل عام في كثير من أقطار العالم النامي أو القابع تحت حكم الديكتاتوريات وما شابهها من أنظمة. الشاهد من القصة، أن هذا الشخص الذي قاسى أشد أنواع العذاب في سجن انفرادي لمدة اثني عشر عاماً، لم ييأس طوال فترة اعتقاله، بل ما إن تم إطلاق سراحه، زاد عزمه وتضاعفت حماسته من أجل البلاد وكيفية تعمير ما خربه العسكر. حيث واصل في العمل السياسي حتى شارك في الحكومة وزيراً للثروة الحيوانية والزراعة والثروة السمكية، وتم انتخابه بعد ذلك نائباً بمجلس الشيوخ إلى أن فاز بالانتخابات الرئاسية لسنة 2009 وتولى الرئاسة في الفترة من 2010 إلى 2015. ما حدث في قصة الثلاثة نموذج لما نسميه بالصراع والتدافع بين الخير والشر، ولو بأضعف الإيمان. ذلك أن الصراع هو أحد قوانين هذا الكون العديدة، أو يمكن القول بأن الصراع سنّة من سنن هذه الحياة، إذ بدونه لا تكون هناك حياة، فهو العامل الأهم أو السبب الأول في إحداث سنّة التغيير، سلباً كانت أم إيجاباً. وحين نفهم مثل هذه الحقائق، نكون قد قطعنا شوطاً كبيراً في تحليل ما يقع أمامنا من صراعات وأحداث على كافة المستويات وفي كافة المجالات. الصراع يأخذ أشكالاً عديدة، بدءاً من أصغرها إلى أكبرها. فقد يكون بين فردين أو جماعتين أو دولتين، وصولاً إلى حضارتين.. خذ مثالاً للصراع الذي يكون على مستوى الدول: فأي صراع بين دولتين مثلاً يكون غالباً لتحقيق مكاسب معينة لأجل التغيير، إما تحقيق مكسب جديد أو تعزيز مكسب موجود.. وهكذا الأمر يكون كذلك على مستويات أكبر على شكل صراع الحضارات من أجل تحقيق سنّة التدافع والتداول (وتلك الأيام نداولها بين الناس). إذ لابد في فترة زمنية معينة أن تسود حضارة وتزول أخرى. لماذا؟ لأجل التغيير، وهذا التغيير بكل تأكيد من أجل خير الأرض ومن عليها. هكذا إذن هي سنة الحياة. لا خلود لأمر ما. كل شيء متغير غير ثابت. وقانون التغيير هذا يسري على كل المخلوقات من البشر والحيوان والنبات وحتى الجماد.. وحين يفهم المرء هذه الحقيقة الكونية، لن ييأس بل تجده يقاوم ويستمر في العمل، متطلعاً إلى مستقبل وإنجاز أفضل، وتلكم هي الحكاية باختصار. [email protected]