16 سبتمبر 2025
تسجيلوكأن المواجهات الخاسرة في اليمن ولبنان وسوريا وحصار قطر لا تكفي حتى تفتح القيادة السعودية معركة أخرى مع كندا! ويحتار المتابع وهو يحاول التوقف عند الحكمة من افتعال أزمة مع دولة بحجم وأهمية كندا لمجرد انتقادها لانتهاكات السعودية لحقوق الإنسان، وهي انتهاكات تحدثت عنها تقارير دولية كثيرة من ضمنها آخر تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية الذي انتقد الطريقة التي تتعامل بها السعودية مع ناشطي حقوق الإنسان وحقوق المرأة. التمترس السعودي خلف مقولات مثل حقها في الدفاع عن سيادتها يأتي كسحابة دخان لتخفي خلفها فشلا ذريعا في إدارة ملفات السياسة الخارجية، فالسياسة القائمة على إغراق هذه الدول بالمال عن طريق عقد صفقات تسلح لا تحتاجها السعودية لم يثبط من عزيمة الحكومة الكندية في توجيه سهام نقدها للممارسات السعودية، وربما هنا كانت المفاجأة، فكيف يعجز مبلغ ثلاثة عشر مليار دولار دفعتها السعودية لكندا لقاء صفقة مدرعات عن اقناع الحكومة الكندية بإدارة الظهر عن الممارسات السعودية! أسوأ ما في الأزمة أنها دفعت بعض الدول لاتخاذ موقف، فبدلا من حصر الأزمة بنطاق الخلافات بين "حليفين" طلبت السعودية من بعض الدول مساندتها في صد "العدوان" الكندي والتدخل "السافر" في شؤون السعودية. ولنا كمراقبين أن نشكك في الحكمة من وراء هذا الاصطفاف، وهل تشكل هذه الدعوة سابقة لإسرائيل التي ستقول إن على العالم أن يكف عن التدخل في شؤونها الداخلية لتقوم بما يلزم لافراغ الأرض من أصحابها الأصليين؟ كيف لنا كعرب أن نطالب العالم أن يصطف معنا في الصراع مع الصهاينة وهم ينتهكون حقوق الشعب الفلسطيني جهارا نهارا؟! بتقديري، اخطأت الدول التي انضمت إلى السعودية لأنها تحسم المعركة لصالح السعودية لأسباب موضوعية. والأهم في هذا السياق أنه ما كان ينبغي أن تكون منازلة بين العالم المستبد والعالم الحر، وأنا على يقين بأن الرأي العام العالمي لن يكون في صف السعودية أو الدول التي ساندتها في منازلة محسومة النتيجة مقدما. وأي متابع لما يكتب في كبريات الصحف العالمية التي تشكل الرأي العام الدولي يكتشف أن الرياض ولمرة أخرى للأسف تخسر منازلة ما كان لها أن تخوضها من البداية. للأسف هناك تخبط واضح في السياسة الخارجية السعودية، فالسعودية الحالية غير تلك التي كنا نعرفها عندما كانت عنوان الحكمة والتروي في الاقليم. وعلى نحو لافت، تغير مقاربة المملكة منذ صعود تيار الحزم للسلطة في عام 2014 وبدأ مقاربة انفعالية وعسكرية وصدامية لا يمكن الاشارة إلى أي اختراق حققته، والأنكى أن مصفوفة أصدقاء السعودية تقلصت ولم يبق من ضمنها إلا من يتلقى المساعدات المالية أو من يريد أن يستعمل الثقل المتخيل للمملكة لتمرير حل اقليمي للقضية الفلسطينية. وفي النهاية سيكتشف صاحب الأمر في الرياض أنه من دون اصدقاء حقيقيين في المنطقة. باختصار، السعودية تسير بمقاربة أحادية من شأنها أن تعزل المملكة في نهاية المطاف، فالأحادية هي سياسة لا تقدر عليها حتى الدول العظمى، وما تراجع تأثير الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلا بسبب الإصرار على الأحادية الأمريكية التي ميزت سنوات بوش الابن العجاف في البيت الأبيض، وبالتالي كيف يمكن التوقع أن تنجح السعودية فيما أخفقت في إنجازه دولة عظمى بحجم وإمكانات الولايات المتحدة. وربما لم يفت الأوان أمام حكام الرياض وهناك إمكانية لاجراء مراجعة شاملة للسياسة الخارجية بغية تحقيق الحفاظ على الوضع القائم على الأقل، فالاستمرار بنفس المقاربة وبيع الوهم والعسكرة هي وصفة سحرية لعزل السعودية وإبعاد الاصدقاء عنها.