31 أكتوبر 2025

تسجيل

من هموم قضية العرب الأولى

15 أغسطس 2015

الصراعات الداخلية التي ضربت العالم العربي خلقت تحديات جديدة أمام النظم والنخب لم تكن ملحة إلى أن اجتاحت الثورات أقطارا عديدة. وهذه التحديات شبيهة إلى حد ما بالحالة التي عاشها العالم العربي عشية قرار الولايات المتحدة الأمريكية شن حرب على العراق في أبريل 2003. كان القلق العربي يومها يتمحور حول نية الولايات المتحدة من الاحتلال، وما إذا كان سيتمدد إلى دول عربية أخرى أو ينجح في بناء واحة الديمقراطية في صحراء العرب، وفقا لما كانت تعد به إدارة الرئيس جورج بوش الابن؟ اليوم يتكرر الهاجس نفسه بشكل أعمق وأكثر تشعبا، والخوف ليس من احتلال غربي جديد لقطر عربي رغم تصريحات رئيس الأركان الأمريكي من أن بلاده قد تعيد نشر قوات لها على الأراضي العراقية، بقدر ما ورد في التصريح ذاته لجهة أن الحل الوحيد المتبقي في العراق ربما يكون التقسيم. القلق العربي ليس حباً بالأنظمة التي تحكم البلدان المعرضة للتقسيم مثل سوريا والعراق واليمن، وإنما من تمدد التقسيم لبقية العالم العربي. ومع هذه المتغيرات العميقة التي تضرب في بنية الجغرافيا السياسية العربية، تصبح الصورة شديدة الرمادية عند النظام العربي الرسمي لحقيقة من هو العدو للأمة العربية؟ هل إيران وعقيدة ولاية الفقيه عند الشيعة العرب أم داعش أم الأخوان؟ وعلى من يفترض أن تنصب الجهود في محاربته أولا؟ والصراع مع إيران قائم على قناعة عربية رسمية مفادها لا وجود لجبهة مقاومة. وإنما هناك محور إيراني يتدخل في الشؤون العربية، يقابله محور عربي يطالب إيران باحترام حقوق الجيرة، وإلا فالمواجهة على كافة الصعد على اعتبار أن إيران تهدف لتخريب العالم العربي وما قلق التقسيم إلا نتيجة للسياسات الإيرانية الخاطئة في المنطقة. وبهذا خرجت إسرائيل فعليا من دائرة الخطر الأول على الأمن القومي العربي، وإن بقيت في الذاكرة الشعبية، فهذا أمر لا فعالية كبيرة له. والحديث دوليا لم يعد متحفزا للبحث في الحقوق العربية والفلسطينية وإنما في كيفية احتواء تداعيات الانهيار التي تعيشها الدول المهدمة، سوريا، العراق، ليبيا، اليمن. والتحدي اليوم في الأدبيات العربية الرسمية هو مكافحة الإرهاب السني، أو الأصوليتين السنية الشيعية، وبهذا أضحت كل دعوة لمقارعة إسرائيل أمراً خارج السرب، فلم يعد يدعي أحد أن وجود إسرائيل هو سبب نشوء التطرف الديني، كما كان يُردّد عقب أحداث 11 سبتمبر 2001. وإسرائيل بدورها تعيد صياغة معادلة الإرهاب والاعتدال، فالاعتدال العربي هو من يبني مع إسرائيل شراكة إستراتيجية قي مواجهة إيران والإسلام السياسي والمتشدد. وهي تسوق نفسها عبر منصات دولية أنها أكثر نجاحا من أي نظام في المنطقة، إذ هي بمنأى عن الإرهاب الذي يضرب في كل دولة عربية. وإسرائيل اليوم في وضع أكثر راحة مما كانت عليه سابقاً. ولم تعد تخشى ضغطاً شعبيا عربياً بدليل أن احتراق عائلة الدوابشة لم تحرك الشارع العربي على فظاعتها وبشاعتها بالحجم الذي كان يتحرك فيه الشارع العربي قبل الثورات. والأسباب تكمن في لجم القوى المدنية والدينية من قومية ويسارية وإسلامية التي كانت تحرك الشارع ضد الممارسات الإسرائيلية. وقد نجحت السلطة السياسية في شيطنة هذه القوى أمام الرأي العام ودفعتها إلى انشغالها بالدفاع عن نفسها ونسيان الهموم القومية. والمقاومة الفلسطينية بخسارتها العمق السوري، وضغط النظام المصري عليها نتيجة ارتباطها الفكري بالإخوان، وتوتر العلاقات مع إيران فتح لها باب التقارب مع السعودية أملاً في كسر الطوق المضروب عليها. وفي الوقت الذي تحاول فيه السعودية ترتيب البيت العربي في المواجهة مع إيران كانت حماس معنية برفع الحصار الخانق عن قطاع غزة، والقلق هنا أن تنزلق قضية المقاومة الفلسطينية من تحرير الأرض إلى فك حصار عن بقعة من الأرض. وبما أنه لا توجد جبهة فلسطينية موحدة أصلا حالياً والخلاف الحمساوي الفتحاوي ربما يكون أكثر تعقيدا من الخلاف القائم بين السلطة وإسرائيل تزداد خطورة المخطط الإسرائيلي في إجهاض القضية الفلسطينية بعد أن حوّلها من قضية عربية إسلامية إلى قضية سياسية بين فصائل متناحرة ودولة قائمة.